سلط الإعلان عن نسبة نجاح خارقة في امتحانات الشهادة الثانوية في الجنوب قاربت 100 في المئة الضوء على انطباعات عن مدى المراعاة التي تعتمدها مؤسسات الدولة اللبنانية ليس لأهل الجنوب بمقدار ما هي للبيئة الشيعية في إطار احتضانها واستيعابها ولو على حساب هيبة السلطة اللبنانية وصدقيتها في الاتجاه إلى لبنان مختلف عن السابق. فوسائل التواصل الاجتماعي ضجت بتغريدات عن شكر وجهه البعض إلى أشخاص تمت تسميتهم ساهموا في تسريب الأسئلة والأجوبة لإخوتهم بما سهل الإعلان عن نسبة النجاح الخارقة من دون أن ينفي ذلك أو ينال من القدرات الطلابية العالية المستوى القائمة أصلاً في الجنوب.
يسري ذلك في موازاة تعيينات وتشكيلات ديبلوماسية وقضائية وإدارية حافظ فيها الثنائي الشيعي على حصته فيه كما زمن سيطرته الكلية على القرار اللبناني ونفوذه في مؤسساتها وكما ما قبل زمن الحرب وخسارة ” حزب الله” فيها، إلى جانب “حبة مسك” إضافية، على نحو يؤكد ويمتن شراكة الثنائي وعدم استغلال ضعفه أو السعي إلى إضعافه في وقت استمر رئيس مجلس النواب نبيه بري في الإمساك بقوة بناصية التفاوض مع الجانب الأميركي وفي التحكم بإدارة مجلس النواب وفق استنسابه.
ولم تقتصر هذه التدابير على المحاصصة الطائفية التي يتم التلطي وراء عدم القدرة على تجاوزها نتيجة التركيبة الطائفية في لبنان، بل على المحسوبية المباشرة على الثنائي وعدم مقاربة أي تعيين من خارج جماعته أو بدون رضاه واختياره، فيما أنّ لا اعتراض جوهرياً لا من الحكومة ولا من مكوناتها.
وعدم الاعتراض سرى بقوة على إعفاء أهل الجنوب من كلّ الرسوم والضرائب نتيجة الإجحاف الهائل الذي لحق بهم من التدمير الإسرائيلي، وهذا حقّ لم يناقش فيه أحد لجهة تحمل الدولة مسؤوليتها إزاء مواطنيها وواجبها تجاههم ولو أنّ أوساطاً سياسيّة عدّة تعترض على المسؤولية التي يصر الحزب على تحميلها الدولة إزاء حرب غير مبررة تسبب هو بها ليس دفاعاً عن لبنان بل دعماً لغزة ولا يود الإقرار بمسؤوليته فيها وما تسبب به ليس للجنوبيين فحسب بل للبنان ككل ولا أن “يتنازل” لها في مسؤوليتها عن سيادة الدولة وحماية أراضيها. لكن هذا الموقف الذي اتخذته الدولة فتح الأبواب على تساؤلات ازاء اعلانها مسؤوليتها للتعويض على اهالي الجنوب وفق ما يجب حصوله في الوقت الذي لم يكن لها علاقة بقرار الحرب أساساً في وقت لا تتحمل مسؤوليتها بعد في التعويض على المودعين الذين تسببت المصارف في إفلاسهم ولا تتحمل مسؤوليتها ازاءهم وتحملها للدولة في المقابل المسؤولة أيضاً عن إدارة هذه الخسارة وتحديد المسؤوليات فيها. مع أن هناك وعوداً كثيرة حتى الآن بالتعويض على المودعين، فإنّ لسان حال السياسيين المنخرطين مبدئياً في عملية إيجاد الحلول لا يشي بأي إيجابية ممكنة.
هذه النماذج تستحضرها أوساط سياسية للقول أن واقع الثنائي الشيعي في التركيبة أو الصيغة السياسية لم يهتز على رغم الخسارة الكبيرة التي أضعفت الحزب فيما يرفع الصوت رفضاً لالتزامه اتفاق وقف النار الذي وافق عليه بعد تفرده في التفاوض على هذا الاتفاق بوساطة الرئيس نبيه بري، ولو أنّه عبر نحو الموافقة الحكومية لاحقاً وبمشاركة هذا الثنائي.
وهي تستحضرها أيضاً للتأكيد أنّ لا استهدافات محتملة لهذا الواقع في ظل المطالبة بالتزام الحزب ما وافق عليه من خلال انضوائه تحت خطاب القسم لرئيس الجمهورية وموافقته على البيان الوزاري للحكومة التي يشارك فيها والذي نص على حصرية السلاح في يد الجيش اللبناني.
يعيد ذلك كله إلى الأذهان الحلف الرباعي الذي نشأ في ربيع العام 2005 والذي ساهم في التأسيس لتراجع زخم تيار 14 اذار الاستقلالي على اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري والذي أدّى إلى خروج الجيش السوري من لبنان. في تلك الفترة، كانت نهاية ولاية مجلس النواب المنتخب العام 2000 لمدة أربع سنوات وثمانية أشهر لمرة واحدة وفقاً لما جاء في قانون الانتخاب تقترب من نهايتها، فكان نوع من الاتفاق أو التحالف بين مجموعتي 8 و14 أذار، فعرف اللبنانيون في ربيع عام 2005، الحلف الرباعي. بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل و” حزب الله “، وكان في بعض الدوائر الانتخابية خماسياً كحال دائرة بعبدا، ولكن هذا التحالف سرعان ما انفرط عقده بسرعة بعد الانتخابات النيابية. إذ انتج يومها أكثرية نيابية لا تفي إلّا لأغراض سياسية وحسابات انتخابية. ولكن عد ذلك استيعاباً كذلك لخسارة الحزب المدوية بخروج القوات السورية من لبنان انذاك. والتعاون راهنا لايجاد حل لمقاربة مجلس الوزراء لموضوع حصرية السلاح مع الثنائي الشيعي سواء لاسباب واقعية او موضوعية قسرية او طوعية لا يشي ايضا سوى بضرورة الاستفادة من فرصة تكاد تهدر من اجل اعادة بناء الدولة في لبنان فيما يتم التساؤل اذا كان سيتم تحميل الثنائي مسؤولية اجهاض هذه الفرصة ام تحميل لبنان واللبنانيين اكلافا جديدة على مختلف المستويات للوصول الى ذلك ؟