تزامناً مع تصاعد العمليات العسكرية في الخرطوم، يركّز الجيش وقوات الدعم السريع على الجسور التي تربط بين مدن العاصمة الثلاث، باعتبارها تشكّل نقطة الفصل في المعارك، وتعطي من يسيطر عليها مفاتيح المنطقة، إلى درجة اعتبار الجسور من المواقع الأساسية التي تميّز الخرطوم عن باقي مناطق السودان.
وفي ظل هدوء نسبي في أم درمان والخرطوم، باتت مدينة بحري مسرحاً لعمليات عسكرية متصاعدة من جنوب المنطقة، حيث تشنّ قوات الدعم السريع هجمات متكرّرة على معسكر سلاح الإشارة الذي لا يزال تحت قبضة الجيش، ويُعتبر بمثابة نقطة حماية لمقر القيادة العامة الذي يفصله عنه النيل الأزرق، بينما تحتدم المعارك في محطة تكرير النفط بالجيلي أقصى شمال المدينة، وكذلك في معسكر الكدرو والامتداد لجسر الحلفايا.
واللافت في مواجهات الخرطوم بحري هو التركيز على الجسور، إذ تتصل القيادة العامة للجيش بسلاح الإشارة عبر جسر النيل الأزرق، ما يعطي المعركة أهمية استراتيجية تتلاقى مع مساعي الجيش للسيطرة على جسر الحلفايا، وهو الممر الوحيد بين بحري وأم درمان.
خريطة الجسور في العاصمة
ترتبط مدن العاصمة الثلاث بعضها بالبعض الآخر عبر أحد عشر جسراً، تمتد من أقصى جنوب الخرطوم في سوبا وتصلها عبر النيل الأزرق بالجهة الشرقية، يليه شمالاً جسر المنشية، ثم كوبر الواصل بين الخرطوم وبحري، ويجاوره كل من جسر النيل الأزرق أو ما يُعرف في الأوساط السودانية بـ”كبري الحديد”، ومن ثم المك نمر غرباً.
وعلى رافد النيل ذاته يقع جسر توتي الواصل بين الخرطوم وجزيرة توتي الواقعة عند التقاء النيل الأزرق بالأبيض، لترتبط ضفته الغربية وهي أم درمان ببحري عبر جسرين هما شمبات وشمالاً الحلفايا.
وعلى النيل الأبيض تتصل أم درمان بالخرطوم بجسرين آخرين، هما الفتيحاب وجسر النيل الأبيض المعروف أيضاً في الأوساط السودانية بـ”كبري السلاح الطبي”. أما جسر جبل أولياء، فهو أصغرها حجماً ويُعتبر أقرب لجسر متحرك غير مخصّص لعبور الآليات الثقيلة.
ويتقاسم طرفا النزاع السيطرة على الممرات الواصلة بين مدن العاصمة الثلاث. فبينما يطبق الدعم السريع قبضته على جسور سوبا، المنشية، وتوتي وكذلك جبل أولياء بشكل كامل، فإنّه يتحكّم من جهة بحري بجسر كوبر وكذلك المك نمر، ومثله في الحلفايا والفتيحاب والنيل الأبيض. أما الجيش، فيسيطر على الضفة المقابلة منها، ويغطي بشكل كامل جسر النيل الأزرق، باعتباره شريان الوصل بين مقر سلاح الإشارة في بحري والقيادة العامة للجيش في الخرطوم. أما جسر شمبات بين بحري وأم درمان، فقد تعرّض نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لتدمير في منتصفه، حيث تبادل طرفا الحرب الاتهامات بالمسؤولية عمّا أصابه.
كلمة السرّ في معارك العاصمة
يرى الخبير الميداني محمد عادل، في حديث لـ”النهار العربي”، أنّ احتدام المواجهات في سلاح الإشارة ببحري يهدف لقطع آخر جسر يسيطر عليه الجيش بالكامل، نظراً لأهميته العسكرية: “من يسيطر على جسور الخرطوم يمتلك مفاتيحها. هذه هي المعادلة الميدانية. فجسر النيل الأزرق يصل الى القيادة العامة وهو الممر الوحيد الذي لم تتمكن قوات الدعم من السيطرة عليه، وبالتالي يهدف قادة الدعم إلى التقدّم نحو الإشارة وتعطيل التواصل بين الوحدات العسكرية من جهة وعبور الجسر وإحكام الحصار على القيادة العامة من جهة أخرى، ما يشكّل ضربة تعيد نوعاً من التكافؤ بعد خسائرها في أم درمان”.
ويلفت عادل الى تفسير إضافي يتعلق بالمواقع الاستراتيجية التي تقع عند كل جسر وتشكّل بحدّ ذاتها مفتاحاً هاماً. ويقول: “جسر كوبر مثلاً هو الأقرب لمطار الخرطوم، وفي الوقت نفسه يتصل بسجن كوبر في بحري، أما جسر سوبا، فقربه من كلية الشرطة يعطيه أهمية واضحة، بينما يجاور كبري الفتيحاب البنك المركزي ويقود السلاح الطبي الى مقرات الجيش في أم درمان”.
أهمية التنقل بين المدن الثلاث
ويشير الخبير العسكري أحمد الخليفة إلى أهمية الجسور في العاصمة، ويصفها في حديث لـ”النهار العربي” بأنّها “مربط فرس الخرطوم، فمن يسيطر عليها يمكنه الانقلاب على النظام الموجود”.
وتكمن أهميتها وفق ما يوضح، بالانفتاح والتحرك بأريحية لنقل العتاد الحربي من جنود وذخائر ومؤن.
ويضيف عادل: “فطنت قوات الدعم السريع لهذا الأمر منذ بداية الحرب، فقامت بمهاجمة كل جسور الولاية وفشلت في السيطرة على جسر الحلفايا رغم المحاولات المستمرة، وفشلت أيضاً في السيطرة على جسور أم درمان – الخرطوم، حيث كان يستخدمها الجيش حتى تمكن الدعم السريع من تحييدها في أيار (مايو) المنصرم”.
ويصف الخبير العسكري جسر شمبات بالشريان الأساسي للدعم السريع، ليصبح الجسر المتحرك في جبل أولياء أقصى جنوب الخرطوم بديلاً للحركة من وإلى دارفور، ويقول: “في جبل أولياء يوجد جسرا سوبا وشرق النيل (المنشية)، وهما أساسيان في تحركات الميليشيا من شرق الخرطوم، حيث يتركّز ثقلهم لباقي العاصمة، أما الباقية فتمّ تحييدها، عدا كبري الحديد الرابط بين سلاح الإشارة والقيادة العامة”.
ويلفت الخليفة في الوقت عينه إلى مساعي الدعم السريع للسيطرة على بعض الجسور الرابطة بين الخرطوم وأم درمان وبين الأخيرة وبحري، لمنع تقدّم الجيش من هناك. أما بالنسبة للقوات المسلحة، فإنّ “معركة الكباري ليست ذات أهمية كبرى في هذه اللحظة للجيش في الخرطوم، حيث يوجد في المدن الثلاث”.