أرسل الكاتب والناقد فخري صالح، رئيس فرع منظمة القلم العالمية “بن” في الأردن، رسالة مفتوحة إلى رئيس المنظمة وأعضاء مجلس إدارتها، ومراكزها في دول العالم المختلفة، يحث فيها الكتاب والمثقفين في العالم على المطالبة بوقف الحرب الشريرة التي تشن على غزة، والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
وتاليًا ترجمة الرسالة عن الإنكليزية:
أوقفوا هذه الحرب الشريرة على غزة
الزميلات والزملاء الأعزاء في منظمة القلم العالمية
العزيز برهان سونميز، رئيس منظمة القلم
العزيزات والأعزاء أعضاء مجلس إدارة منظمة القلم
الصديقات والأصدقاء في مراكز القلم في دول العالم
وأنا أكتب هذه الرسالة إليكم، يسقط طفل قتيلًا كل عشرين أو ثلاثين ثانية بنيران القصف الإسرائيلي المرعب لبقعة الأرض الضيقة، المكتظة بالسكان، التي تسمى قطاع غزة. وقد بلغ عدد من قتلتهم الآلة الحربية الإسرائيلية الجبارة، من أهل غزة، حتى لحظة كتابة هذه الرسالة، أكثر من أربعة آلاف شخص، والجرحى أكثر من ثلاثة عشر ألف شخص. أكثر من ثلثي من قتلوا أو جرحوا هم من الأطفال والنساء، وما يزيد عن الثلث هم من الأطفال. إن ما يحدث في غزة هو مذبحة، بكل معنى الكلمة، حيث يقتل سكانها، ويسقطون جرحى، ويهربون بحثًا عن أماكن آمنة، لم يعد أيٌّ منها آمنًا في الحقيقة؛ فمدارس وكالة الغوث والمستشفيات، أيضًا، تقصفها الطائرات والدبابات. لقد دُمرت آلاف العمارات والبيوت، ومُحيت عشرات العائلات الممتدة من السجل المدني. كما طلب الجيش الإسرائيلي من أكثر من مليون شخص (يشكلون حوالي نصف سكان غزة) أن يتركوا بيوتهم وبلداتهم. لقد ردد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بداية هذه الحرب، قائلًا إن نكبة الشعب الفلسطيني لم تنته بعد، مشيرًا إلى النكبة الفلسطينية التي وقعت عام 1948، وأدت إلى محو فلسطين من الخارطة، وتشريد معظم مواطنيها، وإنشاء دولة إسرائيل. ووصف وزير دفاعه يوآف غالانت الفلسطينيين بالحيوانات البشرية، مبررًا هدف هذه الحرب، وهو قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين.
أما الوضع في الضفة الغربية، فليس أفضل حالًا. فقد قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون، حتى كتابة هذه الرسالة، ومنذ بداية هذه الحرب، أكثر من ثمانين فلسطينيًّا، وجرح أكثر من ألف شخص. لقد تحدثت مع عائلتي في الضفة الغربية، فأخبروني أنهم يشعرون بالخوف من هجمات المستوطنين على البلدات الفلسطينية، والطرق التي يسلكها المواطنون الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة. كما أن شبح ما حدث عام 1948 يحوم حولهم. فقد كتب أحد أفراد العائلة على صفحته على الفيسبوك قائلًا إنه استفاق، قبل أيام، مفزوعًا من نومه، ظانًّا أن السنة هي 1948.
إن ما يحدث في غزة الآن جريمة إبادة جماعية، وتطهير عرقي للفلسطينيين. ولا شيء، بأي حال من الأحوال، يبرر هذا الرد غير المتناسب على ما قامت به حماس في 7 تشرين أول (أكتوبر). فقتلُ المدنيين العزل، من الجانبين، جريمة حرب، لكن قتل المدنيين الأبرياء العزل، وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، وقصف المستشفيات، والطلب من المستشفيات إخلاء المرضى والجرحى، والتوقف عن معالجتهم، وقطع الماء والكهرباء والغذاء عن أهل غزة، يُعدُّ جريمة حرب لا يمكن وصفها.
إننا في منظمة القلم العالمية دعاة سلام، وحوار بين الثقافات والحضارات. وثمَّة دعم غير مشروط لإسرائيل، من جانب الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، مما يؤجج الكراهية، والإسلاموفوبيا، وإسكات الأصوات الفلسطينية، ومن يناصر قضيتهم في العالم. وقد أدى ما نشهده الآن من نشر لكراهية الإسلام، وشيطنة للفلسطينيين، ونزع إنسانيتهم، إلى قتل طفل فلسطيني أميركي مسلم، لا يزيد عمره عن ست سنوات، بطريقة بشعة الأسبوع الماضي، على يد صاحب البيت الذي سكن فيه مع أمه.
لقد جرى تقييد حساباتنا على وسائط التواصل الاجتماعي، وكمُّ أفواهنا، وعدم إعطائنا الحق في التعبير عن آرائنا، بغض النظر عن نوعية هذه الآراء. كما ألغى معرض فرانكفورت الدولي للكتاب حفل تسلُّم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي جائزة ليبيراتور، التي تمنحها مؤسسة ليتبروم الألمانية، عن روايتها “تفصيل ثانوي”، مبررين ذلك “بالحرب التي بدأتها حماس، التي يعاني بسببها ملايين من الإسرائيليين والفلسطينيين”. إن إسكات أصوات الفلسطينيين، وشيطنتهم، يجري هذه الأيام على قدم وساق، بصورة لم يسبق لها مثيل.
إننا نعيش في زمن الرعب. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يوقف هذا التسارع الرهيب نحو الكارثة في منطقة الشرق الأوسط، هو التوقف التام للحرب، والدعوة إلى التفاوض، وبحث جذور هذا النزاع الذي طال أمده، ويعود إلى عام 1948. إن من حق الفلسطينيين أن يحصلوا على دولتهم، لكي يعيشوا جنبًا إلى جنب مع جيرانهم. أما شنُّ الحرب، ومحاولة القضاء على الطرف الآخر، بالقوة المجنونة الغاشمة، فلن يقود إلى سلام وأمن أي طرف من أطراف النزاع.