صحيح أن المغني الرئيس في فرقة مادنس في الـ 62 من عمره لكنه لا يزال يتمتع بحسه الفكاهي وعفويته مثلما كان في شبابه، وهنا يتحدث عن نشأة أعضاء الفرقة كـ “لصوص فظيعين” وكيف تجنبوا السقوط في متاهة الحفلات على متن السفن السياحية

من خلال مقطوعات موسيقية مثل My Girl و Our House، صنع Suggs وMadness موسيقى أصبحت اختصارًا ثقافيًا لبريطانيا (من دار التوزيع)
لما كان ساغز في الـ 20 من عمره، وكانت فرقته “مادنس” Madness في ذروة نجاحها الذي ضمن المراكز الـ 10 الأولى بفضل 15 أغنية منفردة قدمتها في غضون ثلاثة أعوام فقط، أجريت مقابلة مع المغني ضمن برنامج “سماش هيتس” مع المقدم نيل تينانت، ويتذكر اللقاء ضاحكاً “قلت “من المستحيل أن أغني أغنية ’سراويل فضفاضة‘ اللعينة تلك عندما أصبح رجلاً عجوزاً في الـ 30 من عمري”، ويعلو صوت ضحكته لحقيقة أن هذا بالضبط ما سيفعله الشهر المقبل ضمن العرض السنوي الذي تحييه فرقة مادنس بمناسبة أعياد الميلاد وهو في سن الـ 62. يضيف، “السبب في ذلك هو أن ’ذا رولينغ ستونز‘ اللعينة تواصل نشاطها اللعين وتخرب الأمر بالنسبة إلى الجميع، ومن المفترض أن يكونوا أكثر من أموات الآن”.
في ذلك الوقت كانت مادنس تحمل اسم “ناتي بويز” Nutty Boys: مجموعة من لديهم حنكة الشوارع وتجاربها التي جعلتهم شديدي البأس من منطقتي كامدن تاون وكينتيش تاون، عكست أغانيهم اضطراب حياة المراهقين بذكاء وتعاطف وبهجة، ولقد كانوا الفرقة التي، على حد تعبير إحدى أغانيهم، واصلت المضي قدماً “خطوة إضافية” One Step Beyond من خلال أعمال الفيديو كليب الخاصة بهم وقدرتهم على خلق الفوضى التي كانوا قادرين على توجيهها بدقة، وصحيح أنهم باتوا الآن يتمتعون بمكانة أكثر رصانة وأن ساغز يعيش أعوام عقده السابع، لكن قدرته على إقحام الشتائم في أي جملة لا تزال شهادة على ذلك الماضي.
إنه أيضاً مؤشر على مدى قابلية مادنس لتكون تحت رحمة انفعالات أعضائها، ويقول ساغز إنهم قد يختلفون حول أي شيء، وفي الوقت الحالي هم مختلفون حول الأغنيات التي سيؤدونها في عروض أعياد الميلاد، يقول “هناك جدل كبير حول عدد الأغاني التي سنقدمها من هذا الألبوم الجديد وحول من نعتقد أنه سيحضر الحفلات؟ وهل نعتقد بإمكان إقامة أية حفلات مكتبية؟ ماذا نعتقد؟ هل تريدون سماع ألبومنا الجديد وأنتم ترتدون قبعات الاحتفال؟ أنا لا أعتقد ذلك. لذا قدموا خمس أو ست أغنيات جديدة فقط كي تكونوا راضين، لكن بعد ذلك يجب أن يتمكن الجمهور من سماع الأعمال المؤثرة الناجحة من الألبومات القديمة الباعثة على البهجة”.
الألبوم الجديد يحمل عنوان “مسرح العبث يقدم: هذه هي الحياة”Theatre of the Absurd Presents C’est la Vie، وهو الألبوم الرابع الذي تصدره الفرقة خلال فترة النهضة التي شهدتها في مرحلة متأخرة من مسيرتها وبدأت بألبوم مفاهيمي عن لندن هو “حرية نورتون فولغيت” The Liberty of Norton Folgate الصادر عام 2009 والذي وُصف أخيراً في صحيفة “ذا تليغراف” بأنه “يعادل أي ألبوم أصدرته فرقة إنجليزية هذا القرن”.
سُجل الألبوم الجديد بأسلوب يشبه إلى حد كبير أسلوب القاعات الموسيقية، إذ يتكون من سلسلة من الفقرات يتم تقديمها من خلال مقاطع كلامية لسبب يبدو غير واضح، ويقول ساغز “دعني أسر لك بشيء، إنه مجرد هراء مطلق إضافي توصلنا إليه في اللحظة الأخيرة. أنت تقول إنه ألبوم مفاهيمي فيصبح ألبوماً مفاهيمياً، والمفهوم هو أي شيء تريده أن يكون، وعندما قمنا بعمل ’نورتون فولغيت‘ كان المفهوم هو تاريخنا وعلاقتنا بلندن، وكنا في منتصف إعداده لما قال كريس [فورمان] عازف الجيتار لدينا ’إذاً ما الذي كانت تدور حوله كل أغانينا الأخرى؟‘”.
إحدى الأغاني الأكثر لفتاً للانتباه في الألبوم الجديد هي أغنية “في شارعي In My Street من كلمات ساغز والتي تأتي كتتمة للأغنية المنفردة المحبوبة “بيتنا” Our House الصادرة عام 198.
كان الدافع وراء الأغنية هو انتقاله بعيداً من المنطقة الصغيرة التي عاش فيها معظم حياته شمال لندن وحيث اجتمعت الفرقة وتحولت إلى أسطورة، إلى ليتون شرق لندن ليكون أكثر قرباً من أطفاله وأحفاده الذين لم يتمكنوا من تحمل كلف البقاء في منطقة نشأتهم.
يقول، “عندما كنت أغادر اجتاحتني ذكريات عن ذلك الشارع. إنها عاطفية قليلاً لكن الأمر مضحك، وأتذكر لما تحدثت على المسرح عن فرقتي فاستدرك اثنان منهم قائلين ’لا إنها فرقتنا‘ والأغنية هي ’بيتنا‘ بينما كتبت أنا أغنية بعنوان ’في شارعي‘ ولا أعرف إذا كان هذا يعطي فكرة عني”.
إنه يذكرنا أيضاً إلى حد ما بكتاب “قبل أن نكون ما كنا: عن جنون مادنس” Before We Was We: Madness on Madness وهو تاريخ شفهي كتبه توم دويل عن الفرقة على رغم أن هذا الكتاب غير نمطي من حيث أن اهتمامه ينصب على التاريخ الاجتماعي لضواحي شمال لندن الداخلية خلال الستينيات والسبعينيات بدلاً من الموسيقى (وينتهي بوصول مادنس إلى سباقات الأغاني).
إنه واحد من أفضل الكتب عن الموسيقى لأنه يركز على العامل الذي جعل الفرقة على ما كانت عليه، وهو كتاب عن الموضوع العظيم الذي تناولته مادنس، “لندن والعيش فيها”.
يقول “في كامدن تاون عندما كنت شاباً كانت المشكلة الأكبر هي أنني لم أر أي فتاة ولم أكن أعرف أن هناك جنساً آخر حتى عام 1982، لأن كل الموجودين هناك من رواد الحانات من الرجال، لكن بعد ذلك كانت البداية الفعلية للمشهد الموسيقي مع موسيقى الـ ’بانك‘ ووُجدت كل تلك الحانات الرائعة، ربما حوالى 12 منها، ويمكنك الخروج كل ليلة والاستماع إلى الموسيقى من دون مقابل، وشيء آخر أتذكره هو عدم التفكير مطلقاً في المال إذ كنت تخرج ببساطة وتتمشى وتستريح على أريكة تعود لأحدهم”.
حسناً، ربما لم يفكر مطلقاً في المال لأن أعضاء مادنس الشباب، كما يوضح الكتاب، لم يدفعوا أبداً مقابل أي شيء. يقول ساغز ضاحكاً “هذا ما حدث فقد كنا مجموعة من اللصوص الفظيعين، ويقول مايك [بارسون عازف الكيبورد] في ذلك الكتاب “لا أستطيع تذكر أنني دفعت مقابل التسجيلات، لكن لا بد من أنني سرقت كثيراً إذ كنت أملك 400 منها””.
يتنهد أثناء استرجاع الذكرى ويضيف: “ذلك الرجل المسكين في متجر روك أون كان يطاردنا في الشارع”، وأفضى ذلك إلى استرجاع سلسلة من الذكريات حول المحال التي لا تزال موجودة، شركة بن نيفيس للملابس الخارجية في شارع رويال كوليدج حيث أشتري الملابس الواقية من الماء قبل موسم المهرجانات والتي اعتاد أعضاء مادنس اقتناء سترات هارينغتون منها التي كانت عنصراً أساساً لحليقي الرؤوس خلال فترة السبعينيات”.
أتذكر أننا كنا في أميركا وجلس الحشد بأكمله وراحوا يطلقون صيحات الاستهجان (ساغز)
ثم هناك شركة “بريتيش بوت” التي تقع مباشرة قرب محطة مترو أنفاق كامدن تاون والتي يتذكر ساغز أن “آلان هولت الذي يمتلك شخصية متفردة كان يديرها، كانت لديه سيارة فورد زيفر، وفي تلك الأيام لما كان ركن السيارات في المنطقة ممكناً كان يركنها أمام المحل وكانت كبيرة لدرجة أنه كان يحمل مجموعة ’دارمز‘ في الصندوق، وكان عازف ’درامز‘ متقدماً في السن ويحتفظ بالآلات من باب الاحتياط في حال توجب عليه إحياء حفل. قال لي “هل رأيت إلفيس كوستيلو أخيراً؟” فأجبته “اسمع يا آلان، عليّ أن أقول لك إنه مهما كنت تتصور لا يوجد عالم يتجمع فيه نجوم البوب معاً، ونحن بالكاد نرى بعضنا بعضاً لأننا في جولات موسيقية أو منشغلون بأمور أخرى، فقال ’حسناً أخبره أنه مدين لي بـ 10 جنيهات مقابل حذائه الرياضي‘”.
استمرت أول موجة شهرة لمادنس خمسة أعوام فقط، من عام 1979 وحتى رحيل بارسون، وصمدت الفرقة حتى تمكنت من إصدار ألبوم آخر، ثم قام أربعة من أعضائها بعمل ألبوم آخر بعنوان “الجنون” The Madness، لكن البهجة قد تلاشت بحلول ذلك الوقت، فقد استاءت الفرقة من عدم أخذها على محمل الجد مثل غيرها من الفرق التي لا يكن لها التاريخ التقدير نفسه الآن، ولقد سئم أفرادها من اضطرارهم إلى أن يكونوا شخصيات كاريكاتورية بدلاً من أشخاص حقيقيين.
يقول ساغز “كنا نجوب أوروبا للمشاركة في برامج تلفزيونية وكانوا يقولون ’هيا كونوا حمقى! كونوا غريبي الأطوار!‘ ورحنا نشعر بالإرهاق قليلاً، ومع ذلك كنا نقوم بذلك في كل مرة ويسألوننا ’هل ترغبون في ارتداء ملابس المحاربين؟‘” ونقول لا، اللعنة، لن نقبل هذه الإهانة”. وبعد 10 دقائق كنا جميعاً نرقص في حلقات دائرية مرتدين الزي العسكري”.
ويقر ساغز بأنهم هم من تسبب بضرر لأنفسهم في نصف الحالات، إذ إنه يتذكر الماضي برعب خاص تجاه أداء أغنية “زورق ليلي إلى القاهرة” Night Boat to Cairo ضمن برنامج أفضل أغاني البوب عام 1980، وهو يرتدي خوذة من اللباد وملابس باللون الكاكي، يقول “كانت تلك نقطة انحدار وعرفت أن الأمور تسير على نحو خاطئ لما كنت أرتدي ذلك السروال القصير الكاكي، لكن كان لدينا مصمما أزياء جادان للغاية هم بيرمان وناثان في منطقة كامدن، وكانا يصممان أزياء للأفلام، وعند ذهابك إلى ورشتهما كنت ستجد ملابس متنوعة من فيلم “لورنس العرب” Lawrence of Arabia إلى “أوليفر” Oliver!.
لقد أحبانا ووثقا بنا بما يكفي ليقدما لنا أزياء أصلية للنحاسين أو حراس مواقف السيارات أو أي شيء آخر، واستنفدنا جميع الإطلالات التي يمكننا الظهور بها، وارتدينا بدلات على هيئة فطر وزهور وكل الأشياء اللعينة، لكن ذلك كان ممتعاً للغاية. شباب يقفزون بملابس تنكرية، هذا رائع”.
يقول ساغز إن “المتعة تضاءلت في نهاية المطاف وتفاقم التوتر وأصبح الأمر أكثر قتامة إلى درجة أننا وضعنا أنفسنا في مأزق، وأتذكر أننا كنا في أميركا فجلس الحشد جميعاً وأطلقوا صيحات الاستهجان، ولا أعرف إذا كنت ستسمي ذلك غطرسة لكننا لم نشعر بالرغبة في أن يُطلب منا أن نكون مضحكين”.
وبعدما أدركت الفرقة أنه لا يمكن تحقيق أي فائدة من مواصلة نشاطها، تلت ذلك فترة لا مفر منها من زعزعة الاستقرار، استشار ساغز معالجاً نفسياً أخبره أنه كان خائفاً من الفراغ، لكن عليه بدلاً من ذلك أن يرى الفرصة أمامه، فقد كان لديه أطفال وكان يدير فرقة “ذا فارم” The Farm، ثم في عام 1992 لمّ أعضاء مادنس شملهم مجدداً بفضل مجموعة “ديفاين مادنس” Divine Madness التي حققت نجاحاً ساحقاً وأحيت أمسيتين موسيقيتين في منطقة فينزبري بارك، وكان ساغز متردداً في البداية تجاه لم الشمل، ومن المؤكد أنه لم يرغب في القيام بجولة لكن العلاقات القديمة كانت أقوى، وعادت مادنس لتكون فرقة موسيقية مرة أخرى.
لم نرغب في الانزلاق إلى دوامة السفن السياحية. (ساغز)
لكن كونهم مادنس كان لا يزال يفرض عليهم دوراً معيناً، وعلى رغم إصدارهم ألبومات جديدة إلا أنهم شعروا وكأنهم وقعوا مرة أخرى في فخ الفترة التي سبقت إصدار ألبوم “حرية نورتون فولغيت”. يقول “وصلنا إلى نقطة كانت تصلنا فيها كل عروض الجولات والحفلات على متن السفن السياحية التي كانت رائجة خلال الثمانينيات، ولم يكن الأمر سيئاً للغاية من الناحية المالية، لكننا قلنا لأنفسنا ’اللعنة… علينا محاولة الخروج من هذا‘ لذلك عملنا بجد حقاً على هذا الألبوم، وكانت تلك المرة الأولى التي نحصل فيها على أي تقييمات فكرية جيدة، وبدا الأمر شبيهاً بتلك اللحظة في مسلسل “ستار ترك” Star Trek حيث يتعين عليك الخروج من الثقب الأسود والانطلاق بسرعة فائقة”، [فكما يقول سكوتي في المسلسل] ’لا أعتقد أن المركبة تستطيع تحمل المزيد أيها الكابتن‘ ومنذ ذلك الحين كنا نصنع تسجيلات لأنفسنا وللجماهير المخلصين، لكن بصورة جوهرية من أجل أنفسنا لضمان عدم الانزلاق إلى دوامة السفن السياحية”.
وعلى رغم الإشادة بفرقة مادنس هذه الأيام إلى جانب مع إيان ديوري وراي ديفيز باعتبارهم مؤرخي لندن العظماء، فمن المثير للدهشة أن ندرك مدى محلية فرقتهم في السابق، ويمكنكم بسهولة الطواف على معالم لندن التي تتحدث عنها مادنس في يوم واحد، بدءاً من محطة كينغز كروس والتوجه شمالاً لمسافة لا تزيد على بضعة أميال، ويبدو ساغز مرتبكاً وهو يتحدث عن انتقاله من تافنيل بارك إلى ليتون على بعد 6.8 ميلاً (11 كيلومتراً) بالسيارة، كما لو كان العالم مختلفاً تماماً هناك، لكنه تعلم العثور على صوت يعبر عن الجميع في هذه التفاصيل والاختلافات.
يقول “أتذكر دائماً قول إيان هانتر [من فرقة “موت ذا هوبل” لموسيقى الروك] عندما سألوه لماذا كتبت أغنية ’الطريق الطويلة إلى ممفيس؟‘ فقال ’من الصعب جداً أن أكتب أغنية بعنوان ’الطريق الطويلة إلى ولثامستو‘ لكن إيان ديوري فعل ذلك عندما اكتشف أنه يمكنك نسج قصص عالمية من تفاصيلك الصغيرة جداً مثل ’تناوَل كوباً من الشاي‘ لفرقة ’ذا كينكس‘ وإذا عبرت عن الفكرة بالقدر الممكن من الواقعية فيصبح كل شيء عالمياً، فلدى كل منا حبيبة تنزعج عندما نريد الذهاب للعب كرة القدم أو لأي سبب آخر”.
والأغاني التي عبرت من خلالها مادنس عن تلك المشاعر مثل “فتاتي” My Girl و”إحراج” Embarrassment و”سروال فضفاض” Baggy Trousers و”بيتنا” وشبيهاتها أصبحت الآن جزءاً من الوعي الوطني وأكثر من مجرد أغاني بوب، إذ إنها اختزال ثقافي لبريطانيا. يقول ساغز “ولا تزال ممتعة جداً، يتحدث الناس عن تعلم حرفة ما وقد كرهت ذلك عندما كنت شاباً، كرهت الاعتقاد بأنها وظيفة أو شيء من هذا القبيل، لكنها كذلك في نهاية المطاف، وبعد ذلك أنت تقوم بعملك، وإذا نفذته بصورة جيدة فتحصل على مكافآت الناس الذين يستمتعون بما تفعل، وهذا ممتع للغاية حقاً”.
ويمكن الاستماع حالياً إلى ألبوم “مسرح العبث يقدم: هذه هي الحياة” عبر منصة “بي إم جي”.
© The Independent