هل عُقدت صفقة بين الحكومتين اللبنانية والسورية ليخيّم هدوء نسبي قطعته اشتباكات مسائية على الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا، بعد توتّرات أمنيّة عنيفة شهدتها المنطقة يومَي الأحد والإثنين، حيث طالت النيران طرفَي الحدود؟
في التفاصيل، علم “أساس” أنّ اتّفاقاً عُقد بين وزارتَي الدفاع اللبنانية والسورية استند إلى ثلاث نقاط:
1- توقيف المسلّحين من آل مدلج الذين ظهروا في شريط مصوّر وهم يجهزون على العناصر العسكرية السورية الثلاثة من خلال ضربهم بالحجارة.
2- تسليم الحكومة اللبنانية للحكومة السورية 70 ضابطاً وعسكريّاً فرّوا إلى لبنان بصورة غير شرعية بعد سقوط نظام بشار الأسد.
3- تشكيل لجنة تواصل بين الوزارتين للتنسيق في ضبط الحدود ومنع التهريب تحسّباً لأيّ توتّرات أخرى.
لماذا تجدّدت الاشتباكات بين الجانبين بعد ما يقارب شهراً ونصفاً على الاشتباكات الأخيرة؟ روايتان تتنازعان حول خلفيّة هذه الأحداث:
الرّواية اللّبنانيّة
يؤكّد رئيس اتّحاد بلديّات الهرمل نصري الهق في حديث لـ”أساس” أنّ المنطقة الحدودية في قضاء الهرمل تشهد توتّرات أمنيّة بشكل شبه مستمرّ من وقت لآخر منذ سقوط النظام السوري، وأمّا هذه المرّة فكانت هي الأعنف، وتعرّضت القرى اللبنانية لقصف عشوائي بمضادّات الطائرات وبعض قذائف “هاون 120 ومضاد 23 للطائرات”.
يشدّد الهق على أنّ الأمر في البداية كان إشكالاً شخصيّاً، لكنّ الرواية الأكثر انتشاراً حتّى الساعة، “وهي رواية غير مؤكّدة ننتظر من القوى الأمنية تأكيدها، تفيد أنّه يوم الأحد الماضي حاول عدد من المسلّحين السوريين سرقة بعض المواشي في منطقة نائية على الحدود ضمن الأراضي اللبنانية، تحديداً في منطقة قبّش القصر، بالقرب من سد زيتا، وحصل اشتباك بينهم وبين مالكي المواشي أدّى إلى مقتل اثنين من المسلّحين من الجانب السوري وجرح أحدهم، فعمل الجيش على نقلهم إلى مستشفيات المنطقة بالتعاون مع الصليب الأحمر، لكن سرعان ما فارق ثالثهم الحياة أيضاً. نتيجة ذلك توتّرت الأوضاع ودخل الأهالي والمسلّحون في جولة من الردّ والردّ المضادّ، وصولاً إلى تدخّل الجيش عسكرياً والردّ على مصادر النيران في الجانب السوري”.
يعبّر ياسين جعفر، أحد وجهاء عشيرة آل جعفر، عن غضبه لما آلت إليه الأمور ولما يسمّيه “المتاجرة بشباب العشائر
يتخوّف رئيس اتّحاد البلديات من تجدّد الاشتباكات، ويقول: “هناك شكّ كبير وخوف من أن يكون هناك طابور خامس (يشتغل فينا) كمخابرات أجنبية أو موساد أو غيرها”، موضحاً أنّ “للجيش نقاطاً ثابتة على الحدود لكنّها لا تغطّي كلّ الحدود الكبيرة جدّاً، التي يصعب ضبطها من دون خطّة أمنيّة واضحة الملامح ومدعومة كلّ الدعم من الدولة لتحمي المنطقة وأهلها”.
الرّواية السّوريّة
كانت لوزارة الدفاع السورية عبر مكتبها الإعلامي رواية أخرى نشرتها في بيان لها نقلته وكالة الأنباء السورية “سانا” وجاء فيه أنّ “مجموعة من ميليشيا “الحزب” قامت عبر كمين بخطف ثلاثة من عناصر الجيش السوري على الحدود اللبنانية السورية قبل أن تقتادهم للأراضي اللبنانية وتقوم بتصفيتهم”. فيما الإعلامي السوري هادي العبدالله في رسالة له من الحدود السورية اللبنانية لحظة وقوع الاشتباكات أشار إلى أنّ “الحزب” قام باختطاف العناصر الأمنيّة السورية الثلاثة وتمّت تصفيتهم بشكل بشع، لافتاً إلى أنّ “الحزب” يتّخذ من بعض القرى والجيوب داخل الأراضي السورية مقرّاً ومحطّة له لتهريب الكبتاغون والبشر.
الحدود
أيّ اتّفاق يوقف المأساة؟
زينب أبوبكر، أمّ لثلاثة أطفال، غادرت منزلها في حوش السيّد علي يوم الإثنين قبل موعد الإفطار بقليل بعد اشتداد المعارك بين الجانبين السوري واللبناني، متوجّهة إلى منزل أحد أقاربها في الهرمل، وتروي لـ”أساس” تجربة عائلتها المرّة مع النزوح المتواصل قائلةً: “في حرب إسرائيل على لبنان تركنا منزلنا بعدما تضرّرت أجزاء منه بسبب القصف الإسرائيلي، واليوم نهرب مجدّداً بعدما سقط صاروخ من الجانب السوري بالقرب من منزلنا”.
علم “أساس” أنّ اتّفاقاً عُقد بين وزارتَي الدفاع اللبنانية والسورية استند إلى ثلاث نقاط
تضيف بلهجتها البعلبكية: “انرعبو الولاد”، وتؤكّد أنّ المنازل التي تضرّرت لا علاقة لها بـ”الحزب” أو عناصره، وأنّ أحد الشهداء “معترّ” يعمل في الأرض ليعيل عياله وأسرته، وآخر طفل لم يتجاوز الحادية عشرة، وثالث من ذوي الاحتياجات الخاصة. تتمنّى زينب كما جميع أهالي المناطق الحدودية أن يستمرّ وقف إطلاق النار هذه المرّة وتتوصّل الدولة اللبنانية إلى حلّ جذري لهذه التوتّرات، لأنّ المنطقة التي تعاني بسبب الإهمال وانعدام التنمية وقلّة فرص العمل لا ينقصها أيضاً توتّرات أمنيّة تنغّص عيش أهلها المرّ أكثر وأكثر.
لا يمكن معاداة سوريا..
يعبّر ياسين جعفر، أحد وجهاء عشيرة آل جعفر، عن غضبه لما آلت إليه الأمور ولما يسمّيه “المتاجرة بشباب العشائر”، مؤكّداً: “نحن خلف الدولة، والجيش اللبناني يبلي بلاءً حسناً، الحمد لله، وأمّا العشائر فهم خلف الدولة وخلف الجيش اللبناني”، ويوضح أنّ الحدود كبيرة جدّاً والجغرافيا صعبة بين لبنان وسوريا، والحدود التي تشهد اشتباكات متقطّعة من جوسيه القاع حتّى حدود جرماش تقارب 55 كيلومتراً، وتصعب السيطرة عليها مئة في المئة.
يضيف: “لذلك لا يمكن معاداة سوريا أيّاً كان حاكمها، ولا بدّ من التنسيق السياسي بين الدولتين، لأنّ النقاش السياسيّ والاتّفاق السياسي هما الحلّ الذي يمكن أن يهدّئ الأوضاع، فللأحزاب مصالحها الخاصة، وأمّا نحن فلا مصلحة لنا إلا مصلحة الوطن والدولة”. ويتابع: “هناك تجاوزات من الطرفين، وهناك ناس مستفيدة من التهريب، وأدعو الجميع إلى التهدئة، فسوريا جارتنا وأختنا الكبيرة ويجب أن نتقبّل من يحكمها بغضّ النظر عن طائفته أو انتمائه”.
بعد هذه الأيام الصعبة يقف سكّان الحدود اللبنانية السورية على الطرفين أمام روايتين ونفي واتّفاق
ماذا عن “الحزب”؟
نفى “الحزب” في بيان له بشكل قاطع ما يتمّ تداوله بشأن وجود علاقة لـ”الحزب” بالأحداث التي جرت قائلاً: “نجدّد تأكيد ما سبق أن أعلنّاه مراراً من أن لا علاقة لـ”الحزب” بأيّ أحداث تجري داخل الأراضي السورية”.
أشار مصدر مقرّب منه لـ”أساس” إلى أنّه غير متفائل كثيراً بقرار وقف إطلاق النار بسبب عوامل عدّة، ومنها على حدّ قوله “وجود ما يقارب 25 ألف مقاتل أجنبي في سوريا اليوم، معظمهم شيشان وأوزبك، وجزء كبير منهم سكن في القرى الحدودية السورية، التي كان يقطنها لبنانيون أباً عن جدّ وتهجّروا بعد سقوط النظام، والفوضى العارمة في سوريا والتي أشكّ أن تتمّ السيطرة عليها بوقت قريب. كما أنّ الأهالي في المناطق الحدودية اللبنانية لن يرضوا بأن يتركوا بيوتهم في وطنهم، ولذلك ستحصل تجاوزات من الطرفين بين الحين والآخر”.
عن تدخّل العشائر في الاشتباكات ليل الأحد، يقول المصدر: “لأنّ ردّ الجيش كان خجولاً في الليلة الأولى من الاشتباكات، اضطرّ الأهالي إلى أن يدافعوا عن أنفسهم”، ويؤكّد المصدر أن لا علاقة لـ”الحزب” بما يحصل، فـ”الحزب” سلّم الحدود للجيش اللبناني، “ونتمنّى ألّا تُترك المنطقة لمصيرها كما حصل في الجنوب”.
هل العشائر تمتلك هذه الأسلحة أم تتمّ الاستعانة بأسلحة “الحزب”؟
إقرأ أيضاً: “حِصار” ثلاثيّ والحكومة تُحيّد “الحزب”
يجيب المصدر: “الكلّ يعرف أنّ عشائر بعلبك-الهرمل لديها أسلحة تمثّل نوعاً من الحماية الذاتية، وهذا من نمط عيش هؤلاء وطريقة حياتهم، وأمّا “الحزب” فسلّم الأمر للدولة وينتظر منها أن تتحمّل مسؤوليّاتها في حماية الأهالي وحدود الوطن”.
بعد هذه الأيام الصعبة يقف سكّان الحدود اللبنانية السورية على الطرفين أمام روايتين ونفي واتّفاق ويبقى السؤال واحداً: هل يدوم الاتّفاق هذه المرّة أم أغنام جديدة ستخرّبه؟
Video Player
00:00
00:16
لمتابعة الكاتب على X:
@nahla_nasredine