في 7 أكتوبر/ تشرين الأول نفذت حركة حماس هجوماً كبيراً على مستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة أدى إلى قتل وأسر المئات من المدنيين والعسكريين. رداً على ذلك، قررت إسرائيل إعلان الحرب انتقاما من مقاتلي حماس في قطاع غزة. وانطلقت بموازاة المعارك الجارية على الأرض”معركة الحقيقة”.
منذ الأيام الأولى للحرب تم تداول كم هائل من الصور ومقاطع الفيديو المفبركة بهدف خداع وتضليل أكبر عدد من الناس. الأمر الذي ألقى بالعبء الأكبر على المنصات المعنية بالتحقق من صحة الأخبار ومكافحة هذا النوع من التضليل في محاولة منها لتعزيز المصداقية في نقل المعلومة وفضح الأخبار الكاذبة.
بدأت القصة بمزاعم صحفية إسرائيلية تدعى نيكول زيديك تفيد فيها أن مقاتلي حماس قاموا خلال هجوم 7 أكتوبر بقطع رؤوس 40 طفلاً اسرائيلياً. أثار هذا الادعاء موجة من مشاعر التعاطف مع إسرائيل في الغرب، ولم يتوقف الأمر على تداوله في وسائل الإعلام، بل خرج الرئيس الأمريكي بايدن أنه شاهد صور الأطفال مقطوعي الرؤوس بنفسه. لكن، تلقى ناشطون وصحفيون غربيون هذا الادعاء بالتشكيك، وتصاعدت الأصوات التي تطالب بنشر ما يدل على ذبح الأطفال.
وبدلاً من الاستجابة لهذا التحدي من السلطات الإسرائيلية، قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بنشر صورة لجثة واحدة متفحمة قال إنها لطفل إسرائيلي أحرقه مقاتلون حماس، وحظيت الصورة بملايين المشاهدات. لكن ناشطا أمريكيا سارع إلى زيف الصورة، مؤكداً بالأدلة أنها تعود في الأصل إلى كلب في عيادة طب بيطري، حيث خضعت للتعديل عن طريق الذكاء الاصطناعي.
ثم توالت بعد ذلك قصص الكذب والتضليل، فقد تم صورة لتجمع من الخيام مرسوم عليها علم إسرائيل قيل أنها مجهزة لاستقبال نازحين إسرائيليين جراء الحرب. الصورة للتحقق من قبل العديد من المنصات المهتمة بذلك، وتم التوصل الى أن الصورة مولدة بالذكاء الاصطناعي، حيث تحتوي الصورة على كثير من التشوهات والعناصر المضافة.
في الفترة نفسها، جرى تداول عدة مقاطع فيديو مقتبسة من لعبة إلكترونية اسمها ، وزعم ناشرو تلك المقاطع أنها من الحرب الجارية على غزة. في 31 تشرين أول 2023م، نشرت منصة تقريراً عن نتائج تحققها من مقطع فيديو ادعى صانعوه وناشروه أنها دبابات تابعة للجيش الإسرائيلي لاستهداف المقاومة الفلسطينية. أوضحت المنصة زيف الادعاء، وقدمت الأدلة على أن المقطع مأخوذ من لعبة فيديو Arma 3.
في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، نشر التابع لحركة الحوثيين “أنصار الله” اليمنية مشاهد لعملية إطلاق دفعة من الطائرات المسيرة قال إنها وجهت نحو أهداف إسرائيلية مختلفة في تاريخ 6 نوفمبر/ تشرين الثاني. تولت منصة مهمة التحقق من صحة المشاهد، وانتهت في تقريرها إلى أن بعض المشاهد قديمة ترجع إلى عمليات نفذتها الجماعة في الأعوام السابقة ضد أهداف سعودية وإماراتية.
إن تأثير هذه المعلومات المضللة على التغطية الإعلامية كان واضحًا في الارتباك الناتج عن تضارب الروايات المتعلقة بالأحداث، وهذا أثر سلبًا على فهم الجمهور للحقيقة وعلى إدراك الأحداث في غزة. وبدا نشر المعلومات الكاذبة واضحا بشكل خاص على موقع X (تويتر سابقا)، ويرجع ذلك على الأرجح إلى معاييره الأمنية من ميثاق ممارسات الاتحاد الأوروبي بشأن المعلومات المُضَللة في وقت سابق من هذا العام. فتح الاتحاد الأوروبي، مؤخرا، بشأن منشورات X بموجب قانون الخدمات الرقمية (DSA) الذي يطالب منصات الإنترنت التصرف بشكل متسق وسريع لإزالة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة.
تسببت بعض أهم منصات التواصل الاجتماعي بعد فرضها رسوم لتوثيق الحسابات، وتخليها عن كثير من الشروط المشددة كما كان عليه الحال سابقاً، في ارتفاع عدد الصفحات الوهمية التي تستفيد من حصولها على علامة التوثيق لادعاء المصداقية والترويج للأخبار والصور المزيفة.
يستغل بعض المؤثرين الناس بسبب حرمانهم من الوصول الى المعلومات الحقيقية والرسمية بنشر المعلومات المضللة ومشاركتها لأغراض غير أخلاقية. لكن، بوسعنا الحد من مشكلة التضليل الإعلامي عن طريق تثقيف الناس ونشر الوعي بأهمية التحقق من الأخبار قبل تداولها والاعتماد على المصادر الموثوقة. يقول أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة: “تتطلب مكافحة التضليل الإعلامي استثمارا دائما في بناء القدرة المجتمعية على الصمود وعلى اكتساب الدراية الإعلامية والمعلوماتية”.
سارة الخباط، صحفية ومدققة معلومات، حاصلة على ماجستير في الإعلام.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.