لم يعد الصراع بين واشنطن وطهران مجرّد مواجهة بالتصريحات أو تهديدات عابرة. الرئيس الأميركي دونالد ترامب دخل ميدان الحرب بكل ثقله، وخرج من عباءة “صانع الصفقات” ليقدّم نفسه قائداً لمعركة مصيرية عنوانها: “استسلام إيراني غير مشروط”.
في سلسلة منشورات متعاقبة على منصته “تروث سوشيال”، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة باتت تسيطر بالكامل على الأجواء الايرانية، مؤكّداً أن قدرات طهران الدفاعية “لا تُقارن بما تملكه أميركا من عتاد وتكنولوجيا”. ثم أتبَع ذلك بتصريح لافت: “نعلم تماماً أين يختبئ المرشد الأعلى. إنه هدف سهل، لكننا لن نستهدفه الآن”. وختم منشوراته بثلاث كلمات تحمل دلالات حرب شاملة: “استسلام غير مشروط”!
لكن ترامب لم يكتفِ بالاستعراض الالكتروني. فالمواقف التي أطلقها، مترافقة مع حملة عسكرية إسرائيلية ضخمة على الأراضي الايرانية، تعكس تحولاً جذرياً في قواعد اللعبة. فإسرائيل، وبدعم ضمني من واشنطن، تضرب مواقع حساسة داخل طهران نفسها، من بينها مراكز قيادة عسكرية ومقار نووية. وقد أسفرت الغارات عن مقتل قيادات بارزة من الحرس الثوري، آخرها اللواء علي شادماني، الذي نُصّب رئيساً لأركان الحرب خلفاً لغلام علي رشيد الذي قُتل هو الآخر في الموجة الأولى من الضربات.
في المقابل، ردّت إيران بموجات من الصواريخ والطائرات المسيّرة، استهدفت تل أبيب ومواقع عسكرية إسرائيلية، وهدّدت بمواصلة التصعيد حتى تتوقف الضربات. ومع ذلك، تقول طهران إنها لا تزال في موقع الدفاع، مع تفوق جوي إسرائيلي واضح، وتزايد المؤشرات على تورط أميركي غير معلن في العمليات العسكرية، سواء من خلال الدعم اللوجيستي أو الاستعدادات العسكرية في قواعد المنطقة.
الرئيس الأميركي الذي اختصر مشاركته في قمة مجموعة السبع في كندا، عاد إلى واشنطن ليقود المشهد بنفسه. وأعلن من الطائرة الرئاسية أنه لا يسعى إلى “وقف إطلاق نار”، بل إلى “نهاية حقيقية” للتهديد الايراني. وأضاف بوضوح: “نريد رضوخاً كاملاً. لن نسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي”.
وبينما يرفض ترامب التفاوض، ويتحدث عن شروط إذعان، كان وزير الدفاع الاسرائيلي يسرائيل كاتس، يتوجّه إلى المرشد الايراني علي خامنئي، قائلاً له: “تذكّر مصير صدام حسين”، في رسالة لا تخلو من التحريض العلني على استهداف القيادة الايرانية.
منشأة فوردو النووية، التي تُعد الأكثر تحصيناً في إيران، باتت هي الأخرى على الطاولة. الصحف الأميركية كشفت أن القنبلة الوحيدة القادرة على تدميرها هي قنبلة خارقة للتحصينات لا تملكها سوى الولايات المتحدة. وهذا ما يفتح الباب أمام ضغوط إسرائيلية على ترامب للمشاركة في ضربات مباشرة، على الأقل لتدمير المنشآت التي تعجز تل أبيب عن التعامل معها وحدها.
في الأثناء، تُظهر طهران علامات استنزاف. صور جوية تؤكد تضرر موقع نطنز، وشوارع طهران تبدو شبه فارغة، والمستشفيات أعلنت الاستنفار الكامل، في ظل استمرار الغارات وتحذيرات من ضربات أعنف. الاعلام الايراني يتحدث عن “رد ساحق” مرتقب، لكن المشهد يوحي بأن يد إيران مقيدة، وسط استهداف منهجي للبنى العسكرية وقادة الحرب.
ديبلوماسياً، فشلت الوساطات الأوروبية في كبح التصعيد. تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن “ضمانات أميركية” بوقف لإطلاق النار قوبلت بردّ ساخر من ترامب وصف فيه ماكرون بـ”الباحث عن الشهرة”. أما قادة مجموعة السبع، فاكتفوا ببيان يدعو إلى “حماية المدنيين”، من دون إدانة واضحة للغارات.
وبينما تشتد الهجمات، يبقى التساؤل الأبرز: هل يستدرج ترامب إيران إلى طاولة المفاوضات من موقع الضعف؟ أم أنه فعلياً يهيئ الأرضية لانهيار النظام الايراني عبر ضربات مركزة تبدأ من السماء ولا تنتهي إلا بإعلان السقوط أو الاستسلام؟
الأكيد أن مرحلة جديدة بدأت. لغة “الاتفاق النووي” باتت خلفنا. في عهد ترامب، العنوان تغيّر: إيران يجب أن ترضخ… أو تواجه مصيرها.