…وفي يوم القدس العالمي الذي أفتى الخميني، قبل وفاته، بأن يكون في يوم الجمعة الاخير من شهر رمضان من كل عام، أطلق “حزب الله” صاروخين على مستوطنة كريات شمونة، فلم يُصبها، لكنه جدد الالتزام بالوصية الايرانية، وأكد بأن الحرب التي لم يوقفها العدو الاسرائيلي لم تنتهِ..ولن يكون لبنان أعزّ من اليمن وحركته الحوثية الانتحارية.
هذه المرة، وبخلاف الصواريخ التي اطلقت على مستوطنة “المطلة”، الاسبوع الماضي، ليست هناك حاجة لكي يتبنى الحزب إطلاق الصاروخين الملونين على الارجح بالاصفر والاخضر، على كريات شمونة، ولن يكون مضطراً الى تقديم المبررات لأحد، غير القيادة الايرانية، التي ردّت على رسالة الرئيس دونالد ترامب بأحسن منها، داعية إياه الى وقف التهديد بالحرب، من إجل استئناف التفاوض المباشر.. وإلا يمكن الاستمرار بالتواصل غير المباشر عبر الوسطاء.
للحزب أسبابه الخاصة للعودة الى الحرب، وبأسوأ الخيارات العسكرية المتاحة، أي الصواريخ، التي لم تكن يوماً في تاريخ الصراع مع العدو، تخدم مصلحة أي طرف لبناني أو فلسطيني، بل كانت وستبقى سلاحاً ينفع فقط مصلحة اسرائيل، ويستدعيها الى الردود التي تتمناها وتتقنها وتملك تفوقاً هائلاً في أدواتها وتكتيكاتها. وبقدر التسليم بأن الصواريخ هي ضد مصلحة لبنان، لا بد من التسليم أيضاً، بأنها كانت وستبقى الورقة الاقوى في يد من يرسلها الى أي جهة لبنانية، أو فلسطينية.
هي لعنة الصراع التي حلّت على لبنان، منذ سبعينات القرن الماضي، وربما قبلها أيضا، عندما صارت المقاومة، لبنانية وفلسطينية.. تقاوم بالصواريخ البعيدة المدى بدلا من أن تقاتل العدو وجها لوجه، وأن تفتح جبهات أخرى للقتال والانتحار، على امتداد مساحات الارض العربية والاسلامية، وسواها من أماكن إنتشار العدو الاسرائيلي.
هذه المرة، لن يجدي نفعاً إنكار الحزب مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ، أو عن الاحتفاظ بها، ولا ذريعته المتأخرة بأن العدو هو الذي يخرق اتفاق وقف النار يومياً ويوقع أعداداً لا تحصى من الضحايا الحزبيين والمدنيين. كان هناك بديل أمني جاهز وسهل وصامت للصواريخ غير المجدية والمدوية والعابرة للاعلام، هو احياء او ربما تحديث تجربة المقاومة نفسها وعملياتها ضد قوات الاحتلال ودباباته وجنوده الذين يسرحون ويمروحون في البلدات والقرى الحدودية.
خطأ جديد يرتكبه الحزب، عندما وقع في الكمين الاسرائيلي الذي لن تكون نتيجته سوى إطلاق آلة الحرب الاسرائيلية لاستعراض قوتها وتفوقها، وتبرير حجتها بأن السلاح الذي يمتكله الحزب لم يسلم بعد، وبالتالي ثمة حاجة الى تغيير آلية نزع ذلك السلاح، المعتمدة منذ وقف النار. والافكار المطروحة، إذا صحت، فإن نتيجتها لن تكون سوى كارثة جديدة، تمتد من شمال الليطاني، لتغطي مساحة لبنان الكاملة، وتشارك في صنعها قوات اميركية واجنبية متعددة الجنسيات ربما، الى جانب القوات الاسرائيلية.
يوم القدس العالمي هو مجرد تذكير مؤلم، بأن الحرب على مختلف الجبهات الفلسطينية واليمنية واللبنانية، تدخل في طور جديد، أشد خطورة، بشهادة الدم الفلسطيني الغزير الذي يسفك في غزة منذ اسبوعين، وبشهادة الدمار الشديد الذي يلحق باليمن.. وبشهادة المغامرة المأساوية الجديدة التي يخوضها الحزب بلا حساب ولا تقدير.
بيروت في 28 \ 3 \ 2025
Iya