رووداو ديجيتال
يعود الكاتب والاعلامي الكوردي هيوا عثمان في حديثه عن علاقته بقصائد الشاعر الكوردي العالمي شيركو بيكه س، الى سوريا “دمشق حيث كنت اعيش كلاجئ مع عائلتي هناك، وتعلمت اللغة العربية في مدارسها. كنت اقرأ قصائد محمود درويش، مثل (سجل انا عربي) و(احن لخبز امي) وغيرها. وكلاجئ كنت ابحث عن إجابات عن سؤال واحد هو: لماذا انا لاجئ، حتى قرأت قصائد بيكه س”.
أما كيف تعرف على قصائد شيركو بيكه س، فيوضح خلال امسية استضافه فيها نادي (المدى للقراءة) في اربيل للحديث عن ترجمة اشعار بيكه س، وبالذات الرواية الشعرية “مقبرة القناديل”، قائلاً: “في احد الايام زارنا المناضل الكوردي عدنان المفتي، وكان صديقي والدي، محمود عثمان (قيادي معروف بالثورة الكوردية)، حاملاً مجموعة من الاوراق، هي قصائد الشاعر شيركو بيكه س وبخط يده لارسالها الى اي مجلة في ايطاليا، وطلب مني استنساخها في مكتبة قريبة من بيتنا، وفعلت، لكني عندما عدت واكتشفت ما هي هذه القصائد طلبت منه (المفتي) السماح لي بالحصول على نسخة ثانية لي، ووافق، لكن صاحب مكتبة الاستنساخ كان قد اغلق محله، لهذا سمح لي، المفتي، بالاحتفاظ بها حتى اليوم التالي إذ امضيت الليلة استنسخها بخط يدي وحفظتها لانني وجدت الكثير من الاجوبة على اسئلتي في شعر بيكه س”.
بعد ما يقرب العقدين من الزمن، امضاها هيوا عثمان، جزء كبير منها في انكلترا، قبل عودته الى كوردستان، حيث تعرف جيداً على اشعار بيكه س واقترب منه أكثر، يقرر خوض مغامرة ادبية معقدة وشاقة ومهمة وهي ترجمة رواية، او ملحمة، شعرية “مقبرة القناديل” للشاعر شيركو بيكه س الى اللغة العربية، ويستغرق في هذا العمل ما يقرب من عامين يعيشها شبه منعزل في بيت الجبل، حسب وصفه، منبها الى ان “ترجمة الاعمال الادبية يختصر الطريق بين الثقافتين الكوردية والعربية والتقصير مشترك بين الجهتين لربط الثقافتين”.
جانب من الحضور في الأمسية
اما عن سبب خوضه غمار الترجمة الشعرية، فيقول لشبكة رووداو الاعلامية: “برأيي كان من المهم جداً ترجمة هذا النص الى اللغة العربية وأن يخرج الى القارئ العربي، وحصرياً في العراق، أعتقد أن هناك شيء من عدم الفهم الكامل لكلا الطرفين، كوردياً يدور الحديث كثيراً عن الماضي الدموي المؤلم ويفسر بعدم وجود نية حقيقية لفهم واستيعاب هذا الماضي عربياً، في العراق الجديد على الخصوص، وعمليات الانفال هي أحد هذه المحطات التاريخية المهمة في الذاكرة الكوردية وفي الوعي الكوردي وحتى الان كان تداول سردية الانفال كوردياً وباللغة الكوردية، وشيركو تحدث عنها، والاخرين كذلك، وارتأيت ان انقل جزءاً من هذه الذاكرة الى الجمهور العربي كي يطلع على ما يجري من نقاش حول الانفال في الذاكرة العربية وهي اكثر الشواخص قربا لهم من حيث التاريخ وكذلك الجغرافية”.
يصف عثمان ترجمة “مقبرة القناديل” بـ “العملية الشاقة جداً لأن التحدي الكبير هو نقل ترجمة شيركو وليس نصوص شيركو فهو الى حد كبير الضمير الكوردي باللغة الكوردية وهو احد الحرفيين المبدعين في صناعة اللغة الكوردية. لغته عالية جداً لهذا كنت حريصا جداً على نقل روح النص بالاضافة الى المحافظة على الوزن والقافية والمفردة والمعنى والفكرة التي تنقل لنا الروح من وراء هذه الكتابة”.
“كان علي أن أترجم شيركو لا أشعاره وكان هذا الالتزام أكثر الاشياء رهبة لأن شيركو يكتب برشاقة لغوية كبيرة والمثال الاقرب له ثقافياً ولغوياً عربياً هما بدر شاكر السياب ومحمود درويش. التحدي الكبير بالنسبة لي كان يجب ان انقل كل هذا بهذه اللغة وبهذه الرشاقة الى اللغة العربية لان النص الكوردي رشيق ومع هذا تاتي الكثير من الاهات والصرخات والنداءات والدموع والالام”، وفقاً لكلامه.
وأوضح أن “ترجمة شيركو اصعب بكثير من ترجمة شعره، ومع كل قصيدة جديدة كان يضيف الى جعبتي قاموس جديد من المفردات الحديثة او ابجدية جديدة يخترعها هو وعلي ان اكتشفها واحتفظ بها واترجمها للعربية مع الحفاظ على سلاسة اللغة والفكرة والوزن والقافية. هي في الواقع ابجدية تنقل الصراخ والبكاء والالام والنداءات. وايضاً أبجدية للفرح والحزن والحب والموت.”.
قبل ان يخوض غمار هذه التجربة الصعبة كان عثمان قد ترجم اول قصيدة لشيركو بيكه س الى اللغة العربية يقول: “أول ترجمة لي لشيركو كانت قصيدة رثاء عن محمود درويش وعنوانها (مات قمر وندبته جميع اشعار الدنيا) كتبها بيكه س بعد شهر من رحيل درويش. وفوجئت بالقصيدة منشورة على صفحتين باللغة الكوردية، في احدى الصحف الكوردية في مدينة السليمانية، كان يصدرها ملا بختيار، فقررت ان اترجمها للغة العربية وابعثها الى مجلة (الكرمل) التي كان يصدرها محمود درويش، وقد صدر منها في حياته 89 عدداً، وقررت هيئة التحرير اصدار العدد الاخير (90) بعد وفاته، وكان عدداً مهماً جداً لأن كتاباً وشعراء كثر كتبوا فيه مثل اودونيس وغيره، وانا قررت نشر قصيدة بيكه س في هذا العدد لانها مناسبة جداً، لهذا اتصلت بالمجلة واخبرتهم عن القصيدة ورحبوا بالفكرة”.
وأضاف: “بعد أن ترجمتها للعربية اخذتها لشيركو وكنت سعيداً جداً بهذه الترجمة، وقرأها، سألته عن رأيه بترجمة الشعر، فقال (ترجمة الشعر كالقبلة من وراء الزجاج)، ومنذ ذاك وانا اعمل على كسر زجاج اللغة، وأحب بيكه س الترجمة وأرسلتها الى المجلة حيث نشرت في اختلاجات، اي في المكان الذي كان مخصصاً أن ينشر فيه درويش قصائده، وللاسف لم ينشروا اسمي كمترجم حيث قالوا تصورنا ان بيكس كتبها بالعربية، وهم لا يعرفون ان شيركو لم يكتب اية قصيدة باللغة العربية، مع ذلك كنت سعيداً وليس سعيداً بهذه الملاحظة”.
ولكن هل استطاعت النسخة العربية من الرواية الشعرية “مقبرة القناديل” اختصار المسافة بين الثقافتين الكوردية والعربية، ام ان هذا يحتاج الى جهود مؤسساتية كبيرة؟ يجيب الكاتب والصحفي الكوردي هيوا عثمان قائلاً: “هذا يحتاج الى جهود استثنائية كوردية وعربية لكن للاسف كلا الجهتين، الكوردية والعربية مقصرين بهذا الموضوع، وهناك اموال كثيرة تنفق هنا وهناك بلا اية نتائج ولا يرصدون اية ميزانيات لخدمة الثقافتين الكوردية والعربية او لترجمة كل نتاج شيركو بيكه س على الاقل”.