سوريا تكاد تختنق ونحن لا نزال نتقاتل وننقسم على خلفيات طائفية لا تخدم سوى أعداء الوطن والإنسان. نحن لسنا زينبيين ولا فاطميين ولا أمويين… نحن سوريون، وقبل هذا، نحن بشر. بشر نريد أن نعيش بكرامة ونتحرر من الأحقاد الموروثة التي سُقيت لنا عبر عقود.
كفانا تمجيدًا لصراعات قديمة فصلتنا عنها قرون طويلة، بينما ننسى أن أولئك الذين نختلف حولهم اليوم، اختلفوا هم أنفسهم في زمانهم. فلماذا نحيي الخلاف ونتجاهل القيم والمشتركات؟ لماذا لا نستلهم من الإمام علي خُلقه وعدله، ومن معاوية حنكته السياسية في إدارة دولةٍ امتدت حضارتها من الشام حتى الأندلس؟ هذا هو ما يجب أن نورّثه لأبنائنا، لا مرارات الصراعات.
نحن في القرن الواحد والعشرين، في زمن تتقدم فيه أمم وشعوب عديدة عبر التعدد والاحترام لا الإقصاء. في أمريكا، حصل شاب مسلم حديث التجنيس على ترشيح حزبٍ كبير لرئاسة بلدية نيويورك، وزوجته سورية. لم ينتخبوه لدينه، بل لبرنامجه وأفكاره. في اسكوتلندا والمملكة المتحدة، اعتلى المسلمون والهندوس أعلى المناصب السياسية، رئاسة مجلس الوزراء، بفضل كفاءاتهم، لا انتماءاتهم.
أما نحن؟ فما زلنا نغرق في نقاشات حول من كان على صواب قبل ١٤٠٠ عام، بينما تتراكم علينا الجراح والدمار. هل بهذا نبني وطناً؟ هل بهذا نصنع دولة حديثة؟ أم أننا نواصل قتل أحلام شبابنا ودفن مستقبل بلادنا؟
الطائفية لا تبني دولًا، بل تهدمها. وما وصلنا إليه من شرذمة وتطرف وانقسامات هو نتيجة تراكمات طويلة لخطابٍ يُفترض أننا تجاوزناه. لقد تم استثمار الطائفية سياسيًا وعسكريًا في مراحل مختلفة من تاريخ سوريا الحديث، واليوم ندفع ثمن هذا الاستثمار الخطر.
التغيير لا يبدأ بالسلاح أو بالانتقام، بل يبدأ من الوعي أولاً. و ثانيا من مؤسسة أمنية وعسكرية تحمي الجميع بلا تمييز، من عدالة لا تعرف طائفة، ومن دولة تحاسب كل من يزرع الكراهية أياً كان موقعه أو انتماؤه.
فلنسأل أنفسنا بصدق: هل نريد أن نُبقي سوريا ساحة لتصفية الحسابات التاريخية؟ أم نبني دولة قانون، وعدالة، وتعدد، تحفظ كرامة كل السوريين؟
كفانا طائفية.