منذ سنوات بعيدة، وفي أثناء عملي في المشفى، كان لدي شخص عزيز جدًا في غرفة العناية المشدَّدة.
بقيت في المشفى، ولم أغادرها، لمدة 19 يومًا، إلى جانب هذا العزيز، إلى درجة أنني شعرت حينها بأن العالم كله قد أصبح مريضًا، ولم يعد هناك وجود للأصحاء.
توفي هذا الشخص العزيز، حزنت، لكنَّ شيئًا ما أصابني مباشرة وقتها يشبه ما يسمونه الحبسة الكلامية؛ لم تعد لدي رغبة في الكلام!
الحالة نفسها انتابتني مع بدء حوادث السويداء… لم تعد الكلمات ترغب في الخروج من فمي..
ربما هي حالة من الدهشة تجاه عبثية الخيارات والأداء أو حالة من الصدمة تجاه هذه القدرة الفائقة على الشر أو ربما حالة من العجز تجاه الجنون والهبل السائدين في الفضاء العام أو حالة من فقدان المعنى تجاه ما سيأتي مستقبلًا..
لماذا حدث ما حدث؟! ما المكاسب؟! أكان ما حدث محتومًا؟! …
السويداء زلزال يهزُّ أركان العقل، وينخر الوجدان..
مواجهة ما حدث والتعاطي معه بالصراخ والاتهامات والتسويغات والاختزالات والتعميمات والتصنيفات الفارغة والاعتباطية، وغيرها من أشكال التعبير الهستيرية، لا تزيدنا إلا غربة عن إنسانيتنا.. وعن الوطنية المأمولة.. الوطنية/الحلم الذي أصبح أكثر بعدًا من ذي قبل.
لطالما احترمت سعدالله ونوس وأحببته عندما قرَّر في لحظة ما من عام 1979 أن يصمت بعد انسداد الآفاق، من دون أن يعلم إلى متى سيستمر صمته.. لكن صمته استمرَّ عشر سنوات!
ألا يحتاج ما حدث في السويداء إلى لحظات من التأمل الوجداني الخالص، بعيدًا من الانحشارات العقائدية والأيديولوجية والمواقف السياسية المتخمة بالطائفية والعشائرية والمظلوميات والرقص على حبال الموت؟!