شكر رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون فرنسا على الجهود التي كانت وما زالت تبذلها لمساعدة لبنان في شتى المجالات، مؤكداً ان “ثمةَ مقتضياتٌ مطلوبةٌ منا كمواطنين لبنانيين وكدولة ومسؤولين تتعلق ببناء دولة قوية سيدة يحميها جيشها وقواها الرسمية دون سواه”.

وناشد فرنسا المساعدة لحل مشاكل كبيرة يعاني منها لبنان وهي: “أعلى نسبةِ نازحين ولاجئين، وأكبرُ أزمةٍ نقديةٍ مالية، وأكبرُ نسبةِ حدودٍ غيرِ مستقرة لدولةٍ سيدة”، مشيراً الى ان “الدولة بدأت العمل على حل هذه الازمات بالتعاون مع المجتمع الدولي”.

وعن التصعيد الإسرائيلي اليوم وعملية اطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، اكد الرئيس عون ان الجيش اللبناني يقوم بتحقيقاته لمعرفة من أطلق الصواريخ، ونحن بحسب تجربتنا السابقة، الأدلة الموجودة على الأرض تثبت ان حزب الله ليس له علاقة”، ضيفاً:” نتطلع لان تتحرّرُ كلُ أرضِنا المحتلة، ونثبّتُ حدودَنا الدولية كلَها، ونطبّقُ القراراتِ الأممية ذاتَ الصلة، ونعودُ إلى مظلةِ اتفاقيةِ الهدنة للعام 1949 والتي أُقرت في حينه، تطبيقاً لقرارٍ أمميٍ مُلزِمٍ صادرٍ تحت أحكامِ الفصلِ السابعِ من شرعةِ الأمم المتحدة”.

واعتبر انه آنَ أوانُ الإيفاءِ بحقوق الفلسطينيين “إيماناً بهذا الحقِ الإنساني أولاً، وضماناً لاستقرارِ منطقتِنا ثانياً، وتأميناً للمصالحِ الحيوية لكلِ العالمِ، المرتبطِ بشكلٍ أو بآخر، بهذا الجزءِ المركزي من كوكبِنا.”
واعتبر الرئيس ماكرون ان عمليات قصف بيروت اليوم غير مقبولة والتوتر على جانبي الخط الأزرق هو نقطة تحول، مشيرا الى ان ضربات اليوم وعدم احترام وقف اطلاق النار هي اعمال أحادية تخرق التزامات ووعود وتصب في خانة حزب الله، وقال:”الجيش الاسرائيلي يجب ان ينسحب في اسرع وقت ممكن من المواقع الخمسة التي يحتلها في الأراضي اللبنانية، لكي يتمكن الجيش اللبناني من الانتشار ويتمكن اللبنانيون من العودة”.

وكشف عن اقتراح قدمه بنشر بعض قوى اليونيفيل في المناطق الحساسة التي توجد فيها إسرائيل حاليا بالتنسيق مع الجيش اللبناني واشراف آلية مراقبة وقف اطلاق النار بمشاركة ضباط اميركيين وفرنسيين.

وعن موضوع ضبط الحدود اللبنانية السورية، لفت الى أنه في خلال اللقاء اليوم مع الرئيس السوري أحمد الشرع كان هناك وضوح كبير جداً من قبله للمساهمة في ضبط الحدود من أجل أمن لبنان، مبدياً استعداد فرنسا لأن تضع بتصرف الطرفين آلية عسكرية لتسهيل الأمر، وبعض الإمكانات للمراقبة ومتابعة مكافحة المهربين ونقل السلاح.

مواقف الرئيسين عون وماكرون جاءت بعد لقاء جمعهما في مقر الرئاسة الفرنسية، ولقاء متوسطي موسع في الاليزيه ضمهما الى الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، كما شارك فيه عبر الفيديو الرئيس السوري احمد الشرع.

مجريات الزيارة

وكان الرئيس عون وصل الى “مطار لوبورجيه” الفرنسي قبل ظهر اليوم الجمعة، وتوجه مباشرة الى مقر الرئاسة الفرنسية حيث أقيمت له مراسم استقبال رسمية، فاستعرض ثلة من الحرس الفرنسي، قبل ان يستقبله الرئيس ماكرون على اسفل درج مدخل القصر الرئاسي الفرنسي، وتعانقاً بحرارة قبل ان يصعدا الدرج معاً ويلتقطان الصورة التذكارية.

ثم صافح الرئيس الفرنسي الوفد الرسمي اللبناني الذي ضم وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي والقائم بأعمال السفارة اللبنانية في فرنسا زياد طعان، واعضاء الوفد اللبناني المرافق الذي ضم المستشار الخاص للرئيس العميد اندريه رحال، والمدير العام للمراسم في رئاسة الجمهورية الدكتور نبيل شديد، والمستشار السياسي جان عزيز، ورئيس مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا.

كما صافح الرئيس عون اعضاء الوفد الفرنسي الذي ضم وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو، والسفير الفرنسي لدى لبنان هيرفيه ماغرو، وعدد من المستشارين والمسؤولين الرسميين الفرنسيين.

بعدها عقد لقاء بين الرئيسين عون وماكرون، تطرقا خلاله الى الأوضاع العامة في لبنان وما تحقق حتى الآن بعد انطلاق عجلة العمل الحكومي، والدور الذي يمكن ان تساهم فيه فرنسا في مساعدة لبنان على استعادة عافيته وعودة الاستقرار والامن الى ربوعه.

‏وأكد الرئيس عون خلال المحادثات على التصميم على تحقيق الإصلاحات، وقد بدأت عملياً بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان واقرار مشروع قانون رفع السرية المصرفية وسيصار قريباً إلى استكمال التعيينات والإجراءات، ليكون لبنان جاهزاً قبيل اجتماع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وتم الاتفاق بين الرئيسين عون وماكرون على تشكيل لجان وزارية وديبلوماسية وإدارية لمتابعة البحث في ما تم الاتفاق عليه من مواضيع مشتركة على أن تتبادل الاجتماعات الدورية تحقيقاً لذلك.

‏كما استأثرت الاعتداءات الاسرائيلية على جانب من اللقاء، حيث وعد الرئيس ماكرون بالاتصال بالرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبحث الوضع والعمل على تمكين لجنة المراقبة من القيام بعملها بحسب الاتفاق في تشرين الثاني الماضي.

ثم اجرى الرئيس ماكرون خلال الاجتماع اتصالاً بالرئيس السوري احمد الشرع، تركز البحث فيه على الوضع الحدودي بين لبنان وسوريا وضرورة اتخاذ الاجراءات للمحافظة على الهدوء والاستقرار على الحدود، حيث اكد الرئيس عون انه ينتظر نتائج الاجتماعات التي عقدت في السعودية بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري لمتابعة البحث في النقاط التي يكون قد تم الاتفاق عليها. وشدد على ضرورة حصول تنسيق على اعلى المستويات من اجل الحفاظ على هذا الاستقرار، واقترح ان يتم تبادل الزيارات بين الجانبين اللبناني والسوري لتعميق البحث في الاجراءات الواجب اتخاذها، لافتاً الى ان التنسيق السريع والمباشر كفيل بوضع حد لاي تدهور امني.

من جهته، لفت الرئيس الشرع الى اهمية التواصل بين البلدين، وجدد الدعوة للرئيس عون ولوزيري الخارجية والدفاع لزيارة سوريا بهدف استكمال البحث في النقاط العالقة.

اما الرئيس ماكرون، فأكد خلال الاتصال، على اهمية اقامة علاقات تنسيقية بين البلدين، على نحو يضمن الاستقرار والهدوء ومعالجة كل الاحداث التي قد تطرأ.

وأوضح الرئيس عون في هذا المجال، ان الجيش اللبناني انتشر على الحدود اللبنانية- السورية وهو يقوم بواجبه كاملاً للحفاظ على الامن والاستقرار بعد ان انعكست بعض الاحداث التي حصلت، بشكل سلبي على الامن والسكان.

وكان اتفاق على عقد اجتماعات دورية بين المسؤولين المعنيين بالوضع الميداني في البلدين، لا سيما وزيري الدفاع وقادة القوى المسلحة ومديري المخابرات.

وشكر رئيس الجمهورية الرئيس الفرنسي على مبادرته اجراء هذا الاتصال، وتحدث عن اهمية ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، وحماية الحدود الشمالية- الشرقية.

ثم كان عرض لمسألة النازحين السوريين، وضرورة عودتهم الى وطنهم، خصوصاً وان اسباب بقائهم لم تعد موجودة، واشار الرئيس السوري الى انه بعد تشكيل الحكومة السورية الجديدة، سيتم البحث في وضع خطة لهذا الموضوع مع الاخذ بالاعتبار الوضع الاقتصادي في سوريا التي لا تزال تتعرض لهجمات اسرائيلية تستهدف اماكن دقيقة وحساسة على الاراضي السورية.

واجرى الرئيس ماكرون اتصالاً هاتفياً مجدداً بالرئيس الشرع حيث تم طرح موضوع النازحين السوريين الذين يدخلون الى الاراضي اليونانية والقبرصية بطريقة غير شرعية.

وأبدى ماكرون استعداد فرنسا على المساعدة لايجاد حل لهذه المسألة، لافتاً الى انه من حق النازحين العودة الى ارضهم، وان الوضع الذي يمرون فيه حالياً هو مأساة.

واعتبر عون ان هذا الملف اصبح عبئاً على لبنان، ويتطلب ايجاد حلول سريعة له، لانه من حق النازحين العودة الى ارضهم والعيش بكرامة والاطمئنان الى مستقبل اولادهم. كما عرض للصعوبات اللوجستية التي يمكن العمل على تذليلها بالتفاهم بين الطرفين.

وابدى رئيس الوزراء اليوناني دعمه لاستقرار سوريا، والمساهمة في ايجاد الحلول لملف النازحين، وشدد على الوضع غير الانساني الذي يرافق المهاجرين غير الشرعيين.

كما اثار الرئيس القبرصي مساوىء هذا الملف، مشيراً الى ان قبرص هي الاقرب الى سوريا كعضو في الاتحاد الاوروبي، وتبلغ نحو 64 ميلاً بحرياً. وقال انه يجب التفاهم على هذا الملف.

وبعد ان تحدث الجميع، اوجز الرئيس الفرنسي خلاصة النقاش، واعتبر ان هذا اللقاء مهم جداً ويؤسس لعلاقة جديدة مع سوريا، وان الاتحاد الاوروبي مع رفع العقوبات عن سوريا، كونه يساعد على ايجاد الحلول، وان مؤتمر بروكسل شدد على اخذ الاجراءات التي تساعد النازحين وسوريا، وانه سيتناقش مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب حول مسألة رفع العقوبات عن سوريا، منبهاً الى ضرورة الوعي من الملف الامني، واهمية الاستقرار على الحدود، واقترح على المشاركين وضع خارطة طريق يلتزم بها الجميع، حظي بموافقة الجميع.

بعدها تم التطرق الى العلاقات بين لبنان وكل من قبرص واليونان.

ثم عرض عون لمجريات الأوضاع الأخيرة في لبنان، حيث اكد على الاصلاحات التي تعمل الحكومة على اجرائها والتي بدأت بالفعل.

واكد ماكرون ان فرنسا مع اصدقاء لبنان، سيعملون على مساعدته، فيما شرح رئيس الجمهورية خطة عمل الحكومة في هذا المجال.

بعدها تم التطرق الى الوضع على الحدود الجنوبية للبنان، حيث شدد عون على عدم التزام اسرائيل ببنود الاتفاق وانه امر غير مقبول، فيما اكد ماكرون على اهمية دور قوات “اليونيفيل” ودعمه لها، وسعيها بالتعاون مع الجيش اللبناني للحفاظ على الامن والاستقرار في الجنوب.

كما تم بحث مسألة الطاقة بين لبنان وقبرص، وترسيم الحدود البحرية بينهما، واكد ماكرون ضرورة احترام سيادة لبنان واستقلاله، وانه يعمل على تنظيم مؤتمر خليجي شرق اوسطي للبحث في مساعدة لبنان ودول الجوار.

ثم ودّع الرئيسان ماكرون وعون الرئيس القبرصي ورئيس الوزراء اليوناني، قبل ان يستكملا مباحثاتهما.

وبعدها، عقد مؤتمر صحافي مشترك بين الرئيسين ماكرون وعون، استهله الرئيس الفرنسي بكلمة ترحيبية بضيفه اللبناني.

كلمة ماكرون

والآتي النص الحرفي لكلمة ماكرون:”اود ان أتوجه بالشكر للرئيس عون لزيارته اليوم الى باريس ليشرف بذلك علاقة الصداقة الراسخة والثابتة بين بلدينا في مرحلة لا يزال لبنان يعاني فيها من عدم الاستقرار الإقليمي. اود ان اعبر قبل كل شيء عن تضامني مع اللبنانيين وأبناء بيروت الذين تعرضوا لضربات جديدة صباح اليوم، في انتهاك لوقف اطلاق النار.

كنت زرت بيروت مباشرة بعد انتخابكم فخامة الرئيس في 17 كانون الأول، لأعبر لكم عن دعمنا، ووعدتني بأن تخصص زيارتك الرسمية الأولى خارج المنطقة الى فرنسا، وقد كنت عند وعدك. هذا رمز قوي جدا لثقتكم بمتانة الدعم الفرنسي للبنان، لتجاوز المحن التي يواجهها، ولكي يسير على الدرب الذي رسمتموه فخامة الرئيس وخطة حكومتكم لاعادة السيادة الكاملة للبنان واطلاق عجلة إعادة البناء التي ينتظرها كل اللبنانيين. ان فرنسا تجدد وقوفها الى جانبكم اكثر من أي وقت مضى، لأننا نؤمن بصحة عملكم والاجندة القائمة على السيادة والإصلاحات التي تعملون على تنفيذها منذ وصولكم، مع رئيس الوزراء والحكومة. فرنسا تقف أيضا الى جانبكم لأنها مدركة حجم التحديات التي تواجهونها والتي تتطلب المساعدة الحازمة من شركاء لبنان، وهذه المساعدة نركزها قبل كل شيء على استعادة دور المؤسسات اللبنانية لأن هذا هو المفتاح الذي سوف يدفع المجتمع الدولي للالتزام بإعادة بناء لبنان وانتعاش اقتصاده بشكل مستدام.مبعوثي الخاص جان ايف لودريان كان في بيروت في بداية الأسبوع في اطار مهمة جديدة لاعادة بناء لبنان وانعاش الاقتصاد. ومحادثاته خلال هذه الزيارة سوف تسمح بوضع اطار مؤسساتي يستجيب للمطالب الدولية في مجال التمويل ويقنع شركاء لبنان بالالتزام . هذا العمل سوف يتم استكماله بزيارة الى الرياض ثم الدوحة في الأسابيع المقبلة بالتنسيق الوثيق مع السلطات اللبنانية. هذا العمل يترجم هذا النهج على مرحلتين اتفقنا عليهما. المرحلة الأولى ستكون على هامش الاجتماعات الدولية في فصل الربيع، حيث سنجتمع مع أصدقاء لبنان لدعم الإصلاحات الهيكلية التي بدأت بها السلطات التنفيذية اللبنانية، والعمل لمجموعة أولى من المساعدة لاعادة البناء، وبالتالي فان اصلاح القطاع المصرفي ولجنة إعادة الاعمار أساسية لاجتذاب الشركاء. في مرحلة ثانية، وعلى ضوء الإصلاحات المؤسساتية والاقتصادية للحكومة اللبنانية يمكن ان استضيف في باريس مؤتمرا دوليا لنهضة لبنان، وطبعا يجب العمل على تحضير برنامج للتمويل بدعم من صندوق النقد الدولي، ومن هذا المنطلق سوف نتكلم مع الرئيس عون حول مواصلة التعاون الذي بدأناه في الأسابيع الأخيرة بين حكومتينا، وهو يركز أساسا على إعادة اصلاح القضاء اللبناني، وتعرفون حرص فرنسا على هذا الموضوع. وهناك وفد فرنسي رفيع المستوى سيزور بيروت قريبا للعمل على تعاون في مجال القضاء، وفي المجال التقني، لمصلحة القضاة اللبنانيين. الأولوية الأخرى للتعاون هي الطاقة. لبنان بحاجة الى قطاع طاقوي حسن الأداء، لكي لا يبقى عرضة لانعدام الاستقرار الاقتصادي، ولكي يتمكن من انعاش اقتصاده وسمعته وجذب الاستثمارات”.

وفرنسا أيضا مستعدة لوضع خبراتها وشركاتها في مجال الطاقة وشراكاتها لدعم المشاريع الاستراتيجية الكبرى في هذا المجال. قلت في بداية كلامي فخامة الرئيس اننا نؤمن بالاجندة السيادية التي تحملونها، خاصة ان صباح اليوم شهد عمليات قصف غير مقبولة على بيروت. التوتر اليوم على جانبي الخط الأزرق هو نقطة تحول، وهذا الوضع لا يطاق. وفرنسا ستبقى الى جانبكم للحفاظ على هذه السيادة ولضمان امنكم بشكل كامل، وهذا ما نريد ان نفعله الى جانبكم في الجنوب وكذلك على الحدود مع سوريا حيث الوضع حساس جدا. لذلك تقف فرنسا، تكملة لالتزاماتها الماضية، الى جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة، لتنفيذ وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه في 26 تشرين الثاني مع إسرائيل.

لقد تم تحقيق تقدم في الأشهر الأخيرة، والجيش اللبناني استعاد السيطرة على جنوب لبنان بالكامل تقريبا، ويحقق التقدم في نزع سلاح حزب الله. والديناميكية الحالية قد أدت الى نتائج. وفي هذا السياق، ان ضربات اليوم وعدم احترام وقف اطلاق النار هي اعمال أحادية تخرق التزامات ووعود وتصب في خانة حزب الله. الديناميكة الحالية يجب ان تستمر، وكل طرف يجب ان يحترم التزاماته لكي لا يشكل ذلك خطرا على التقدم المحرز. الجيش الاسرائيلي يجب ان ينسحب في اسرع وقت ممكن من المواقع الخمسة التي يحتلها في الأراضي اللبنانية، لكي يتمكن الجيش اللبناني من الانتشار ويتمكن اللبنانيون من العودة. فرنسا سوف تستمر بالعمل لهذا الغرض، وسوف نقدم اقتراحات واقعية وعملية تأخذ في الاعتبار توقعات لبنان وإسرائيل. واقترحنا ان تنتشر بعض قوى اليونيفيل في المناطق الحساسة التي توجد فيها إسرائيل حاليا بالتنسيق مع الجيش اللبناني واشراف آلية مراقبة وقف اطلاق النار بمشاركة ضباط اميركيين وفرنسيين، وهذا الاقتراح ما زال على الطاولة. سوف نناقش كذلك مع الرئيس عون كيفية تحسين أساليب التنفيذ وتعزيز المفاوضات المباشرة، واطلاق سراح اللبنانيين المحتجزين في إسرائيل، وهذه تبقى أولوية، وهذا تقدم يجب ان يتحقق.

فرنسا تدعم دائما جهود الحوار في المنطقة واي جهد يهدف الى تعزيز الاستقرار الإقليمي، وبالتالي نحن مستعدون للانخراط في الدرب الذي خططه الشريك الأميركي، اذا عبر الطرفان اللبناني والفلسطيني بشكل سيادي عن التزامهما بالمشاركة في هذا الحوار.

هذه الزيارة أيضا سمحت لنا بتناول التعاون مع سوريا، ولقد بدأنا لقاءنا بحديث مع الرئيس السوري الانتقالي احمد الشرع، وكان لنا معه نقاش مطول، خاصة على اثر اللقاء الذي انعقد في جدة بين وزيري الدفاع السوري واللبناني، ويجب الآن ان نعمل على تعزيز سيادة لبنان وسيادة سوريا، وامن حدودهما المشتركة، والبحث باطلاق عملية تسمح بترسيم الحدود بين البلدين. فرنسا اقترحت تيسير هذا الحوار وان تقدم أيضا إمكاناتها في هذا المجال.

حديثنا الثلاثي كان مثمرا جدا . مسألة النازحين السوريين وعودتهم الطوعية والآمنة الى سوريا، موضوع تناولناه أيضا مع الرئيسين، وقدمنا عددا من الاقتراحات. وبعد ذلك انضم الينا رئيس وزارء اليونان ورئيس جمهورية قبرص، وكان لنا حديث طويل نحن الخمسة، وحددنا محاور ووسائل العمل في هذه المنطقة، من الحدود، والأمن، وعودة اللاجئين. تكلمنا أيضا عن تجنيد التمويل الدولي لهذا الغرض، وقررنا تبني خريطة طريق سوف يتم استكمالها في الساعات المقبلة، وتلتزم بها الدول الخمس. هذا التعاون الإقليمي غير المسبوق هوتقدم ملحوظ لتعزيز سيادة لبنان واستقرار المنطقة برمتها. فخامة الرئيس، خلال زيارتي للبنان في كانون الثاني الماضي، دهشت حقا للأمل الهائل الذي عبّر عنه اللبنانيون، واعتقد ان لبنان يسير على الدرب الصحيح.

انا سعيد باستمرار محادثاتنا لكي نرسم معا، معالم شرق أوسط اكثر استقرارا وتكاملاً واحتراما لحقوق كل الشعوب بدون استثناء، والذي تتطلعون له انتم ولبنان بعد سنوات طويلة من العنف وسوء الإدارة. نحن مستعدون للعمل معكم لانجاح رئاستكم، ونبقى أوفياء لتاريخنا. يسعدني ان استقبلكم في زيارة دولة الى فرنسا تسهم في توثيق العلاقات بين البلدين، التي عملنا عليها في الأسابيع الماضية، والتي نعززها اليوم. أؤكد لكم مرة أخرى ثقة ودعم وصداقة فرنسا”.

كلمة عون

ثم تحدث الرئيس عون شاكراً الرئيس ماكرون وفرنسا على وقوفهما الى جانب لبنان، وتقديم كل الدعم اللازم للبنانيين، وقال:

“للاسف الشديد تلقينا الان اخبار الجنوب وبيروت وعودة التصعيد والتوتر، وعودة الاعتداءات الاسرائيلية على بلدنا وجوار عاصمتنا، من البديهي ان نعلن ادانتنا الشديدة لذلك، ورفضنا اي اعتداء على لبنان كما اي محاولة مشبوهة او خبيئة لاعادة لبنان الى دوامة العنف، وما يحصل يزيدنا اصرارا وتصميما على اعادة بناء دولتنا وحيشنا وبسط سلطتنا على كل اراضينا لنحمي لبنان وكل شعبه. اناشد من هنا جميع اصدقاء لبنان في العالم من باريس الى واشنطن للتحرك سريعاً لوقف التدهور ومساعدة لبنان على تطبيق القرارات الدولية على كامل حدودنا وكامل ترابنا الوطني.

السيد الرئيس، كلُ الشكر ِعلى دعوتِكم الكريمة هذه. وعلى استقبالِكم الأخويِّ الحار. والشكرُ موصولٌ لكم ولفرنسا، على الكثيرِ الكثير… على جهدِكم الكبير لإنهاءِ الفراغِ الرئاسي، وإنجازِ استحقاقِنا الدستوري، بما يحققُ مصلحةَ لبنان… وعلى مؤازرتِكم لنا في اتفاقِ 27 تشرينَ الثاني الماضي، لوضعِ إجراءاتٍ تنفيذية لتطبيقِ القرار 1701. بما سمحَ مبدئياً بوقفِ النار، وخروجِ لبنانَ جزئياً من دوامةِ العنفِ، كما على مساهمتِكم الثمينة في عديدِ قوات اليونيفيل، وتضحياتِكم الجليلة عبرَها، من أجل السلامِ في جنوب لبنان. والشكرُ أيضاً على لائحة لا تنتهي من خطواتكم المشكورة تجاه بلدي.

أقولُ إنها لائحة لاتنتهي، لأنها بدأت سنة 1250 مع رسالةِ الملك لويس التاسع. 775 عاماً من العلاقة بين بلدينا وشعبينا بلا انقطاع، هذه حقيقةُ ما بيننا عزيزي إيمانويل. ولأننا نذكرُ التاريخَ والتواريخ، بعد نحو أسبوعين، يستذكرُ لبنانُ وكلُ اللبنانيين، مرورَ 50 سنةً كاملة على اندلاعِ الحربِ عندنا، في 13 نيسان 1975، حربٌ مركّبة متشعّبة متعدّدةُ الأبعاد، تداخلَ فيها المحلي بالخارجي، قبل أن تتوالدَ سلسلةَ حروبٍ طاولت كلَ شيءٍ وكلَ بيت، حتى انتهت بتدميرِ كلِ شيء.

نتذكّرُها ونقرّرُ اليومَ ألّا نسمحَ بأنْ تتكرّرَ أبداً. ولذلك، ثمةَ مقتضياتٌ مطلوبةٌ منا كمواطنين لبنانيين، وكدولة، وكمسؤولين عنها:

أولاً، أنْ نبنيَ دولةً قويةً سيدة، يحميها جيشُها وقواها الرسمية دون سواه، ويحميها توافقُ أبنائها ووحدتُهم. وأسمحُ لنفسي السيد الرئيس بمصارحتِكم أكثر ههنا. فلبنانُ – لسوءِ الحظ – يحملُ اليومَ أرقاماً قياسية عالمية غيرَ مسبوقة:

أعلى نسبةِ نازحين ولاجئين، مقارنةً بسكانِ بلدٍ في العالمِ وعبرَ التاريخ.

وأكبرُ أزمةٍ نقديةٍ مالية، قياساً إلى الناتج الوطني لبلدٍ، طاولت المصارفَ الخاصة والمصرفَ المركزي والدولةَ والمودعين معاً.

وأكبرُ نسبةِ حدودٍ غيرِ مستقرة لدولةٍ سيدة. وقرارُنا أنْ نُقاربَ هذه الأزماتِ كافة، وأن نعالجَها، لنبنيَ دولتَنا ونبسطَ سلطتَها، ونحققَ استقرارَها وازدهارَها. وهذا ما نناشدُكم السيد الرئيس، المساعدةَ بشأنِه. فعلى سبيلِ المثال، أظهرَ استطلاعٌ لمفوضيةِ الأممِ المتحدة لشؤون اللاجئين، أنّ نحوَ 24% من النازحين السوريين في لبنان، يرغبون في العودة إلى بلادهم. وهو ما يعني نحو 400 ألف نازحٍ سوري، كلُ ما يحتاجونه هو خطةٌ دوليةٌ لتمويلِ تلك العودة، بكلفةٍ أدنى بكثيرٍ من كلفةِ بقائِهم في لبنان، المُنهِك لنا ولهم، وهذا ما بدأنا التفاوضَ حولَه مع الجهاتِ الدولية المعنية. وهذا ما نتمنى دعمَكم لتحقيقِه.

أما أزمتُنا النقدية المالية والمصرفية الشاملة، فلقد انطلقنا في مسارِ الخروجِ منها، بالتعاونِ مع صندوقِ النقد والبنكِ الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى، كما مع جميعِ أصدقاءِ لبنانَ في العالم، وهذا ما نتمنى أيضاً دعمَكم له، ونحن متأكدون من حصولِنا عليه.

أما سيادةُ دولِتنا على أرضِها وبقواها الذاتية دون سواها، فهو مسارٌ ضروريٌ ودقيقٌ في آن، وقد قررنا المَضيَّ به، ونراهنُ على فهمِكم لحساسياته، وتفّهمَكم لمقتضياتِه، ونتطلّعُ إليكم لشرحِ تلك الحساسيات والمقتضيات للعالمِ أجمع بحيث تتحرّرُ كلُ أرضِنا المحتلة، ونثبّتُ حدودَنا الدولية كلَها، ونطبّقُ القراراتِ الأممية ذاتَ الصلة، ونعودُ إلى مظلةِ اتفاقيةِ الهدنة للعام 1949 والتي أُقرت في حينه، تطبيقاً لقرارٍ أمميٍ مُلزِمٍ صادرٍ تحت أحكامِ الفصلِ السابعِ من شرعةِ الأمم المتحدة.

لكنَّ هذا لا يكفي لدفنِ احتمالِ الحربِ عندنا وحولَنا، فنحن نحتاجُ إلى محيطٍ مستقر، وإلى منطقةٍ تنعمُ بالسلام، والسلامُ السيد الرئيس، لا يقومُ إلا على العدالة، والعدالةُ شرطُها تبادلُ الحقوق، وحقوقُ الفلسطينيين قضيةٌ عالقة في وجدانِ العالمِ ومنطقتِنا وشعبِنا، منذ عقودٍ طويلة، وقد آنَ أوانُ الإيفاءِ بها إيماناً بهذا الحقِ الإنساني أولاً، وضماناً لاستقرارِ منطقتِنا ثانياً، وتأميناً للمصالحِ الحيوية لكلِ العالمِ، المرتبطِ بشكلٍ أو بآخر، بهذا الجزءِ المركزي من كوكبِنا.

وأخيراً، دفنُ حربِنا نهائياً، كما دفنُ كلِ الحروب، يحتاجُ إلى نظامٍ عالميٍ قائمٍ على القيم وعلى المبادئ، وعلى مفهومِ الخيرِ العام. وأنتم السيدَ الرئيس، ومعكم فرنسا، جمهوريةُ إعلانِ 26 آب 1789، أكثرُ من يُدركُ ذلك، بدءاً من مادتِه الأولى بأنْ “يولدُ الناسُ ويظلون أحرارًا ومتساوين في الحقوق”، ونحن في لبنان، أكثر المؤهلين لتجسيدِ ذلك، بحياتِنا المشتركة معاً، بتعدديتِنا وحريتِنا المتلازمتين، باختلافِنا ومساواتِنا التوأمين، وبقدرتِنا العجائبية على البقاءِ وعلى الإبداعِ أبداً، رغم كلِ شيء .

عزيزي إيمانويل. لا ينتهي الحديثُ عمّا بيننا، ولا يكفي الكلامُ للتعبير، لذلك أكتفي بكلمةٍ واحدة أختزلُ فيها 775 عاماً، وأختصرُ بها آلافَ الكلمات، شكراً!”.

مأدبة الغداء

وبعد المؤتمر الصحافي، استكملت المباحثات خلال غداء عمل اقامه الرئيس الفرنسي على شرف نظيره اللبناني والوفد المرافق، حيث جدد الرئيس عون شكره للرئيس الفرنسي، وجرى عرض الوضع في الجنوب في ضوء التطورات التي حصلت اخيراً والاعتداءات الاسرائيلية، ودور الجيش في الجنوب، وضرورة تحرك لجنة مراقبة وقف اطلاق النار لالزام اسرائيل بوقف اطلاق النار وتعاون المجتمع الدولي في هذا المجال. وقال انه لو تم بالفعل تنفيذ الانسحاب الاسرائيلي بشكل كامل، لكان الاستقرار قد تحقق.

وعقدت خلوة بين الرئيسين تم فيها التطرق الى المسائل كافة، وشرح الرئيس عون الخطوات التي بدأت الحكومة باتخاذها لاجراء الاصلاحات المطلوبة ومنها رفع السرية المصرفية، وتعيين حاكم لمصرف لبنان، وعزمه على استكمال كل الخطوات في هذا المجال.

وشارك فيه عن الجانب الفرنسي: وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو، والسفير الفرنسي لدى لبنان هيرفيه ماغرو، وعدد من المستشارين والمسؤولين الرسميين الفرنسيين.

العودة الى بيروت

وبعد انتهاء الغداء، حرص الرئيس الفرنسي على مواكبة الرئيس عون حتى باب السيارة ليودعه، بعد ان التقطت الصور التذكارية الجامعة على درج الاليزيه.

وتوجه الرئيس عون بعدها مباشرة الى المطار حيث استقل الطائرة عائداً الى بيروت.