فادي فرنسيس فنان مصري متعدد المواهب
بنهاية تسعينات القرن الماضي، اعتاد الشقيقان فادي وشادي فرنسيس تمضية ساعات طويلة في الرسم بساحات معابد مدينة الأقصر جنوبي مصر. كان هذا الطقس ضمن جولة أسبوعية يُعدّها الوالد فرنسيس أمين لطفليه، وهو عالم المصريات المفتون بالفن والتاريخ في آنٍ.
عبر هذا المشهد يتذكر فادي فرنسيس في حديثه لـ”النهار العربي” مرحلة الطفولة والتكوين في مدينة الأقصر، حيث لم يكتفِ الأب وقتذاك بالجولات المحلية، لكنه أخذ طفليه في سن صغيرة إلى رحلات خارجية لمشاهدة معالم أثرية وفنية عالمية.
يقول فادي: “كنت محظوظاً لنشأتي وسط عائلة فنية، فإلى جانب اهتمامات والدي، اصطحبتني والدتي الفنانة التشكيلية ميرفت جرجس مراراً للجلوس وسط الطلاب في كلية الفنون الجميلة بمدينة الأقصر”.
بعد هذا الثراء الفني، لا غرابة إذن في هيام الشقيقين بالفن، إذ يعمل الأخ الأصغر شادي فرنسيس مخرجاً، أمّا فادي، بطل قصّتنا، فيشتغل في الصحافة والرسم والنحت، وحاز أخيراً نجاحاً كبيراً، بعدما قدّم إنتاجه من المنحوتات والرسومات في عدد من المعارض المحلية والدولية.
لكن النجاح الأكبر يكمن في مشروع نحت 100 تمثال لشخصيات عالمية، في أحجام صغيرة، وهو مشروع أطلقه فادي فرنسيس لتقديم شخصيات لها إسهام في تاريخ الإنسانية، في صورة تماثيل صغيرة منحوتة من الصلصال الحراري.
مزج الصحافة بالفن
تخرج فادي في كلية الإعلام عام 2013، ومنذ ذلك الحين وهو يعمل صحافياً. في البداية، كان ينوي التدريب على الرسوم الكاريكاتورية، لكن غواية الكتابة اجتذبته، فمارس الصحافة كتابة ورسماً.
فتحت الصحافة أمام فرنسيس باباً على الفنون التشكيلية، فدأب على تغطية شؤونها، وتقديم نماذج فنية استثنائية. وبالتوازي مع عمله الصحافي التحق بأكاديمية القاهرة للفنون، ودرس الرسم دراسات حرة، وكانت هذه نقطة تحول أولى في حياته إلى الفن.
يقول الفنان المصري: “احترفت الرسم والتصوير الفوتوغرافيّ، واعتدت المزج بين الصحافة وموهبتي الفنية، فكنت ألتقط الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو الخاصة بموضوعاتي الصحافية، كما كنت أزود بعضها برسوماتٍ فنية، وبذلك حققت نوعاً من تكامل الصحافة مع الفن”.
يعتبر فادي تجربته في الرسم بالضوء من أهم المراحل في حياته الفنية، إذ استطاع تطوير هذا الفن بإضافة مجسمات ورقية مرسومة بالمقص، وظهر منتوجه من هذا الفن للنور عام 2017 خلال مشاركته في معرض “نور الشكل” في دار الأوبرا المصرية.
جانب من معرض “يهمني الإنسان” في دار الأوبرا المصرية.
احتراف النحت
يحترف فادي فرنسيس حالياً رسم ونحت المصغرات، وهو فنّ تشكيلي يعتمد على رسم أو نحت مجسمات صغيرة للغاية، قد تكون في حجم كف اليد، أو أصغر، لكن متى بدأ رحلة الفنان المصري مع النحت؟
يقول فادي إنّ علاقته بالنحت بدأت من طريق الصدفة عام 2018، بعدما استخدم عجينة السيراميك الأبيض في تشكيل رأس تمثال عشوائي. حدث ذلك بينما كان يساعد شقيقه شادي في مشروع تخرجه في كلية الهندسة، ورغم محاولاته في الطفولة للتشكيل بالصلصال، إلا أن هذه المحاولة كانت كمن قرع ناقوساً يؤذن بميلاد موهبة جديدة لدى فادي.
ويستطرد: “بخلاف الرسم تعلمت النحت ذاتياً، وكان عام جائحة كورونا بمثابة نقطة تحول في حياتي، إذ طوّرت قدراتي في تلك الآونة بالقراءة في علم التشريح، كون النحت يختلف عن الرسم، وتدربت على رسم شخصيات التماثيل من كل الزوايا”.
مزج بين نحت ورسم المصغرات لتمثال ليوناردو دافينشي ولوحته الشهيرة الموناليزا
سريعاً تطورت قدرات فادي في النحت، بعدما نصحته والدته باستخدام الصلصال الحراري، القابل للاقتناء ومقاومة عوامل التعرية، وفي بادئ الأمر اعتمد في النحت على الصورة الكاريكاتورية، وفي وقتٍ وجيز أنجز عدداً من التماثيل، كان أولها للأديب العالمي نجيب محفوظ، ثم الأم تيريزا، وتوفيق الحكيم، وصلاح جاهين، حتى تجاوز منتوجه مئة تمثال.
في الفترة الأخيرة، افتتح فادي فرنسيس معرضاً فنياً استضافته دار الأوبرا المصرية، تحت عنوان “يهمني الإنسان”، وعُرض فيه 30 منحوتة، من ضمن مشروع 100 شخصية تجسد شخصيّات عالمية، تركت بصمتها في تاريخ البشرية، في مجالات: الفن، والأدب، والعلوم، والرياضة.
ثمّة جانب آخر من مشروع الـ100 شخصية، إذ يسافر بكل تمثال على حدة إلى موطن الشخصية التي يجسدها، والتقاط صورة مع أحد المعالم المرتبطة بها، مثل أن يلتقط صورة لتمثال ستيف جوبز، في متجر لشركة “أبل”، أو تمثال فيكتور هيغو في نوتردام، وكذلك التقاط صورة لمثال شامبليون في قسم المصريات في متحف اللوفر.
منحوتة ستيف جوبز في متجر “أبل”.
يوضح فادي فرنسيس أنّ الهدف من مشروع الـ100 شخصية هو إنساني بالأساس، في سبيل توحيد البشرية، فمهما اختلفت الثقافات واللغات، يمكن أن تجتمع معاً في مكانٍ واحد. يقول: “عندما افتتحت المعرض في بروكسل وفي القاهرة، حضر في كلا المعرضين شخصيات من جنسيات وثقافات مختلفة”.