يبرز مجدداً ملف المقاتلين الأجانب في سورية تحدياً أمام الإدارة الجديدة في دمشق، لا سيما أن الغرب ربط مسألة الانفتاح الواسع على هذه الإدارة ورفع العقوبات المفروضة على سورية، باتخاذها إجراءات من شأنها تبديد المخاوف والقلق، بعدما تبوأ البعض من هؤلاء المقاتلين ذوي التوجه الجهادي السلفي، مناصب في المؤسسة العسكرية السورية الجديدة. وقالت وكالة رويترز، يوم الأربعاء الماضي، إن ثلاثة مبعوثين أوروبيين أوضحوا في اجتماع عقد في 11 مارس/آذار الحالي مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في دمشق، أن “كبح المقاتلين الجهاديين يأتي على رأس الأولويات بالنسبة إليهم، وأن الدعم الدولي للإدارة الجديدة قد يتبخر ما لم تُتخذ إجراءات حاسمة”.
شروط الغرب
وهذه ليست المرة الأولى التي يتطرق فيها الغرب إلى ملف المقاتلين الأجانب في سورية بسياق تعامله مع الإدارة الجديدة في دمشق، إذ سبق أن حذرت عواصم غربية، منها واشنطن، مطلع العام الحالي، من تعيين “مجاهدين أجانب” في مناصب عسكرية عليا في سورية، لأن هذه الخطوة تمثل مصدر قلق أمني وتسيء إلى صورة هذه الإدارة في محاولتها إقامة علاقات مع دول أجنبية. وفي 25 مارس الحالي، نقلت “رويترز”، عن ستة مصادر مطلعة، منها أميركية، أن الولايات المتحدة سلّمت سورية قائمة شروط تريد من دمشق الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، منها ضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة. وكانت الوكالة نقلت مطلع 2025 عن مسؤول أميركي قوله إن الولايات المتحدة حذّرت دمشق من تعيين أجانب في مناصب عسكرية خلال اجتماع بين المبعوث الأميركي دانييل روبنشتاين والرئيس السوري (قائد الإدارة الجديدة آنذاك) أحمد الشرع في دمشق. كما أثار وزراء خارجية أوروبيون هذا الأمر مع الإدارة السورية الجديدة، خصوصاً المتعلق منه بتعيين أجانب في المؤسسة العسكرية، خلال لقاءات رسمية عقدت في العاصمة السورية.
ولا توجد أرقام وإحصائيات يمكن الركون إليها حول عدد المقاتلين الأجانب في سورية، إلا أن تقديرات مختصين في الجماعات الإسلامية تشير إلى أنه قد يكون قرابة ثلاثة آلاف مقاتل بينما يقدّر آخرون وجود أعداد أكبر بكثير من ذلك، ينتمون إلى جنسيات عدة وينضوون في تشكيلات عسكرية متطرفة. وأبرز هذه التشكيلات: “الحزب الإسلامي التركستاني”، يليه من حيث العدد تشكيل “أجناد الشام” الذي يضم مقاتلين من الشيشان، ثم “أنصار التوحيد”، و”أجناد القوقاز”. وإلى جانب الألبان والشيشان والصينيين الإويغور وغيرهم، هناك مقاتلون من دول عربية عدة، من الخليج العربي والأردن ومصر، ودول المغرب العربي. وأسهم هؤلاء المقاتلون الذين يدورون في فلك هيئة تحرير الشام، أبرز القوى العسكرية التي أسقطت نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، في المعارك التي شهدتها سورية على مدى نحو 14 عاماً بين قوات نظام الأسد، وفصائل سورية ذات توجه سلفي جهادي.
تشير معطيات إلى أن الإدارة الجديدة تعتزم تجنيس المقاتلين الأجانب وطي الملف قانونياً
ترقية المقاتلين الأجانب في سورية
وكان ملف المقاتلين الأجانب في سورية طفى على السطح بقوة في أواخر ديسمبر الماضي، عندما منحت الإدارة الجديدة رتباً عسكرية رفيعة لعدد من قادتهم في سياق خطوات تشكيل الجيش السوري الجديد، وهو ما فجّر موجة انتقاد واستياء في الشارع السوري الذي يتطلع إلى الاعتماد على الضباط السوريين المنشقين واستبعاد الأجانب من الجيش.
والقادة الأجانب الذين مُنحوا رتباً عسكرية، هم: عبدل صمريز بشاري (ألباني الجنسية) منح رتبة عقيد، مولان ترسون عبد الصمد (طاجيكي)، عبد الرحمن حسين الخطيب (أردني) منح رتبة عميد، عمر محمد جفتشي (تركي الجنسية) منح رتبة عميد، علاء محمد عبد الباقي (مصري) منح رتبة عقيد، ابنيان أحمد الحريري (أردني) منح رتبة عقيد، عبد العزيز داوود خدابردي (من الأقلية التركستانية في الصين) منح رتبة عميد. ويبدو أن هذه الخطوة جاءت لتكريم هؤلاء القادة الذين كان لهم فضل في تدريب مقاتلين سوريين إبّان الثورة ضد النظام المخلوع، فضلاً عن المشاركة في المعارك ضد المليشيات الأجنبية التي استقدمها نظام الأسد من خارج الحدود.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قال في تصريحات صحافية سابقة إن المقاتلين الأجانب “يستحقون المكافأة”، مشيراً إلى أن عددهم قليل، وأن جرائم نظام الأسد أدت إلى الاستناد عليهم. وعاد هذا الملف للبروز مجدداً في مطلع مارس، إذ اتهمت جهات حقوقية مقاتلين أجانب بالمشاركة في عمليات تصفية ميدانية طاولت مدنيين سوريين ينتمون إلى الطائفة العلوية خلال مجازر الساحل السوري.
ويبدو أن الإدارة السورية الجديدة، كما تشير المعطيات المتوافرة، بصدد منح مقاتلين أجانب الجنسية السورية، لا سيما أن البعض منهم قضى أكثر من عشر سنوات في البلاد، في خطوة الهدف منها دمج هؤلاء في المجتمع السوري، ما يعني طي هذا الملف قانونياً. ولا يمكن للإدارة إعادة هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية لأنهم سيواجهون مصيراً مجهولاً، فضلاً عن أن هذه الدول ترفض أساساً التعاطي مع هذا الملف، لأسباب أمنية.