يزور وفد يمثل “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سورية العاصمة دمشق، اليوم الخميس، لاستكمال المفاوضات مع الحكومة السورية، وفق اتفاقية 10 مارس/آذار 2025 التي وُقّعت من قبل الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي. وتأتي الزيارة في إطار استكمال التفاهمات ووضع حدّ للصراع الذي شهدته منطقة شمال شرق سورية لسنوات، وأيضاً بعد انعقاد مؤتمر “وحدة الصف الكردي” أواخر إبريل/ نيسان الماضي، الذي شارك فيه حزب الاتحاد الديمقراطي، أكبر أحزاب الإدارة الذاتية، وأحزاب متحالفة معه إضافة إلى المجلس الوطني الكردي. وردت الحكومة السورية وقتها، في بيان، على انعقاد المؤتمر بأنه يخالف الاتفاق الذي جرى بين الشرع وعبدي.
ووفق المعلومات التي حصل عليها “العربي الجديد”، يضم الوفد الممثل للإدارة الذاتية كلاً من عضوة الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي فوزة يوسف، والرئيس المشترك لحزب سورية المستقبل والرئيس السابق للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية عبد حامد المهباش، والرئيس المشترك لحزب الاتحاد السرياني سنحريب برصوم، والرئيس المشترك لهيئة المالية في الإدارة الذاتية أحمد يوسف، وعضوة القيادة العامة لوحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية سوزدار حاجي، والناطقين الرسميين باسم اللجنة: الرئيسة المشتركة لهيئة الشؤون الاجتماعية والكادحين في الإدارة الذاتية مريم إبراهيم، ونائب الرئاسة المشتركة لمجلس الشعوب الديمقراطي ياسر سليمان.
وقال ممثل الحركة الكردستانية المستقلة في سورية، زيد سفوك، لـ”العربي الجديد” إن المفاوضات مع الحكومة السورية في دمشق ستكون حول آلية تنفيذ البنود الموقعة سابقاً بين الشرع وعبدي، مؤكداً أن “الوفد مخول بالحوار حول جميع الملفات العالقة بين شمال شرق سورية ودمشق، بما فيها الملف الكردي”. وبيّن أن تخويل الوفد بإجراء المفاوضات جاء لسببين: “الأول أن جميع القوى السياسية الكردية هي ضمن إطار سلطة الإدارة الذاتية، والثاني أن رئاسة الوفد هي قيادية في الاتحاد الديمقراطي، المؤسس للإدارة الذاتية وأحد مؤسسي المؤتمر القومي الكردي الذي عُقد في الشهر المنصرم في القامشلي”.
وعن قرار المؤتمر الكردي القاضي بتشكيل وفد مشترك للحوار مع الحكومة السورية، قال سفوك: “بالنسبة لتشكيل وفد كردي مشترك خاص بالحوار السياسي مع دمشق، فما زال الأمر ضمن المشاورات، ولم يتم الإعلان عنه بعد، لعدم تشكيله حتى اللحظة”. وأشار إلى وجود تناقض من الناحية السياسية واللوجستية في تشكيل وفدين مختلفين، مشيراً إلى أن وفد الإدارة الذاتية سيناقش تعديل الدستور مع الحكومة مع وجود جزء من الشعب السوري بجميع مكوناته ضمن سلطتها، وكذلك سيناقش الوفد المشترك، الذي سيتم تشكيله ويتوجه إلى دمشق، ذات المسألة: تعديل الدستور وحقوق الشعب الكردي وباقي المكونات السورية، وفق ما جاء في الوثيقة المنبثقة من المؤتمر الكردي.
وأكد سفوك أن “التناقض واضح”، مضيفا: “أود أن أؤكد أن أي وفد يحاور دمشق بمسألة الشعب الكردي هو مندوب للتفاوض، وليس ممثلاً عن الكرد، ولا يحق لأحد تحديد مصير شعب عانى على يد النظام البعثي الويلات، وقدم من دمائه وأرضه الكثير”، موضحا: “طالما لم تُجرَ انتخابات شفافة ونزيهة لتحديد ممثلين عن الشعب الكردي في سورية، لا يمكن لأي إطار سياسي تحديد المصير. الوفد هو مندوب عن الأكراد لإيصال صوته ومناقشة حقوقه فقط لا غير، ويبقى القرار الأخير لصوت الشعب”.
ويرى عضو المجلس العام لمجلس سورية الديمقراطية، عبد الوهاب خليل، خلال حديثه لـ”العربي الجديد” أن الاتفاقية تقتصر على “قسد” والحكومة السورية، منتقداً وجود وفدي تفاوض، وقال: “أعتقد بأن الوفد الكردي لن يبقى خارج الموضوع، ويجب أن يكون ضمن وفد الإدارة الذاتية”.
وحول رؤيته لشكل الاتفاق، قال خليل: “سيتفقون بشكل أو بآخر على إدارة محلية أو لامركزية أو كيفما كانت التسمية، وسيبقى الوفد الكردي خارج البوتقة، وسيبدو كأنه وفد انفصالي، ويقولون لهم نحن اتفقنا مع الإدارة الذاتية ودمجنا الإدارات ودمجنا قسد، ماذا تريدون بعد؟ وما هي طلباتكم؟”. وأضاف: “عندما لا تكون هناك جهة داعمة للوفد الكردي فلن يكترث لك أحد. أنا اقترحت هذه النقطة قبل نحو ثلاثة أشهر في اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وقلت يجب أن يكون الوفد الكردي ضمن وفد الإدارة الذاتية، وهنا اتهمونا بأننا لسنا قوميين ولا نفكر ببعد قومي”.
وقال خليل: “لا نستطيع أن نتفق معهم على اندماج “قسد” ضمن الجيش السوري قبل أن يعترفوا بمؤسسات الإدارة الذاتية، وتوريد النفط كاملاً، قبل أن يتفقوا على التعليم، لذلك مدة الاتفاقية سنة كاملة”. وبيّن أن “مجلس سورية الديمقراطية (مسد)” يمثل الإطار الوطني على مستوى سورية بشكل كامل، أما ممثلو الإدارة الذاتية فستكون ممثليتهم شبيهة بالقنصلية، وليست مكتباً للإدارة الذاتية.
ورأى شلال كدو، رئيس حزب الوسط الكردي في سورية (أحد أحزاب المجلس الوطني الكردي في سورية)، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هذا الوفد يمثل الإدارة الذاتية كهيكلية أو كجسم إداري أو ككيان، ولا يمثل القضية الكردية”. وقال كدو:”هذا الوفد ذهب إلى دمشق للتفاوض حول هذه المواضيع الإدارية، بالإضافة إلى بنود الاتفاقية التي تم توقيعها في العاشر من آذار بين مظلوم عبدي، قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، والرئيس السوري أحمد الشرع”. ولفت كدو إلى لقاءات جرت في دمشق قبل توقيع الإتفاق ما بين الشرع وعبدي، مضيفاً: “كان من الواضح أن هناك وفوداً تتبع الإدارة الذاتية وتذهب إلى دمشق وتتفاوض مع السلطات السورية الجديدة حول وضع الإدارة الذاتية، وكذلك حول أمور النفط، فضلاً عن وضع قسد كقوة عسكرية عملاقة ومسلحة”.
وذكر كدو أن وثيقة المؤتمر الكردي التي جرى الاتفاق عليها “ليست من شأن وفد الإدارة الذاتية، وإنما ستكون من مهام الوفد المزمع تشكيله بحسب مخرجات المؤتمر، والذي سيضم حزب الاتحاد الديمقراطي، وكذلك المجلس الوطني الكردي، والأحزاب القريبة من الطرفين”، مشيرا إلى أن هذه الوثيقة سيحملها الوفد الكردي، أي الوفد الثاني، و”سيناقش هذا الوفد بنود هذه الوثيقة مع القوى الوطنية السورية، وكذلك مع المكونات، فضلا عن مناقشتها مع السلطات السورية الجديدة”.
وختم كدو حديثه بالقول: “أتمنى ألا يشوش هذا الوفد على ذاك، أو ذاك الوفد على هذا الوفد، كون مهام الوفدين معروفة. هذا الوفد الذي سيذهب إلى دمشق يمثل الإدارة الذاتية، أما الوفد الآخر فهو سيمثل الشعب الكردي، وكذلك سيبحث عن حل للقضية الكردية المزمنة في البلاد، إضافة إلى المنظور الكردي للوضع السوري، وكذلك لينظر في نظام الحكم وشكل الدستور في سورية، وما إلى ذلك من أمور كثيرة عالقة ينظر إليها الأكراد في سورية”.
وأكد مصدر خاص لـ”العربي الجديد” أن الوفد المفوض من أكراد سورية يُفترض أن يُشكل من المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي وأحزاب الوحدة الوطنية، وذلك نتيجة للوثيقة الموحدة التي نتجت عن مؤتمر وحدة الصف الكردي برعاية كل من التحالف الدولي واقليم كردستان العراق. ونصت الاتفاقية بين الشرع وعبدي على تأكيد وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة، ودمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن الدولة، ودعم الدولة السورية في مكافحة فلول نظام بشار الأسد المخلوع والتهديدات الأخرى، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة.