صديقة جدّي غسان. رأيتكما معاً. في المشهد المأسوي نفسه. في الصلابة، في الصبر، في التسليم، في الإيمان. كنتما صديقين، وسلكتما طريق الجلجلة نفسها. خسر غسان تويني عائلته الواحد تلو الآخر. صلّى لهم بصمت القديسين.
واللبنانيون ينظرون إليك، قديسة، وأيقونة مقدسة، تحمّلت الكثير، وعانت ولا تزال، في الزمن الصعب، تحمل قربانها إلى الكنيسة، تقدّم على مذبح الرب الأحياء والأموات. تسجد بصمت، كأنها تكرر تجربة الجمعة العظيمة، أمام المصلوب، تنتظر قيامة ما. ربما هي قيامة النفس بانعتاقها من كل ألم دنيوي. ربما تعبت فيروز من ثقل الزمن، لكنها التزمت الصمت، في عزلة سلام داخلي يعيد الاستقرار إلى النفس، بعيداً من الصخب.
اليوم يرحل زياد الرحباني، مستحقاً بذاته كل تكريم وتقدير، منفصلاً عن فيروز وعاصي، لأن زياد، وإن كان ابن البيت العريق، فإنه في ذاته، قيمة فنية، ثقافية، إبداعية.
قيل الكثير في زياد الرحباني في اليومين الماضيين، بعدما شكّل خبر وفاته صدمة لكثيرين، رغم معرفتهم باعتلال مزمن في صحته. وقول المزيد، لا يضيف شيئاً إلى زياد، بل يحرر القائلين من بعض حزنهم عليه.
قد تتفق معه، أو تختلف، في توجهات، أو انتقادات كان يوجهها للمجتمع والناس، إلا أن أحداً لا يمكنه إلا أن يعترف بإبداعات زياد، في الموسيقى والغناء، وفي المسرح، وخصوصاً في قراءة الواقع، والتنبؤ بالمستقبل. هو الذي خبر المأساة اللبنانية، وتعامل معها باستهزاء، وأكثر بانعزال، كي لا يغرق في وحولها.
زياد الموهبة التي قد لا تتكرر، وداعاً.