جرح لا يندمل
السويداء (سوريا) – ما زال الكثير من سكان منطقة السويداء السورية، وخاصة الدروز، يعيشون حالة صدمة بعد نحو أسبوعين من أعمال عنف طائفية شهدتها المدينة. ويقف هؤلاء اليوم عاجزين عن تجاوز تلك الفظائع أو التكيف معها، حيث شهدوا أحباءهم يُذبحون وبيوتهم تُحرق.
وتتحدث شهاداتهم عن الألم أكثر من النجاة وتكشف عن شعور بغياب العدالة والإنصاف، رغم تعهد السلطات بفتح تحقيق في تلك الأحداث.
وحدق حاتم رضوان في الأرضية الملطخة بالدماء والوسائد في مضافة آل رضوان في مدينة السويداء الدرزية في سوريا، وعقله لا يستوعب كيف نجا من إطلاق النار الذي وقع قبل أكثر من أسبوع وأودى بحياة أقارب له وأصدقاء.
وقال الرجل البالغ من العمر 70 عاما لرويترز “ما عم بنام أنا، يعني أنا تمنيت أموت أفضل، أحسن لي (لم أعد أستطيع النوم، يعني أنا تمنيت الموت، فهذا أفضل لي)،” مشيرا إلى أن اثنين من أصهاره ووالد زوج ابنته قتلوا عندما اقتحم مسلحون دار الضيافة في 16 يوليو الجاري.
وقُتل المئات خلال أيام شهدت عنفا طائفيا في محافظة السويداء السورية، حيث أُرسلت قوات حكومية لوقف الاشتباكات بين مسلحين من الدروز وعشائر بدوية.
سكان وجماعات مراقبة ومراسلون قالوا إن حدة العنف زادت بعد نشر قوات الأمن، وتحدثوا عن وقوع حالات قتل
وقالت وزارة الدفاع السورية في 22 يوليو إنها ستحقق في تقارير عن قيام “مجموعة مجهولة” ترتدي زيا عسكريا بارتكاب “انتهاكات صادمة” في السويداء، وستحاسب مرتكبيها.
ونددت وزارة الداخلية بمقاطع مصورة متداولة تظهر عمليات إعدام ميدانية نفذها مجهولون في مدينة السويداء، وتعهدت بإجراء تحقيق.
ويقول مراقبون إن الكشف عن نتائج التحقيقات ومحاسبة المسؤولين عن المجزرة ليسا مجرد إجراء قانوني، بل هما خطوة ضرورية لبناء الثقة ومنح الطمأنينة، وهو ما يعد شرطا أساسيا لبدء التعافي.
وقال سكان وجماعات مراقبة ومراسلون في المحافظة إن حدة العنف زادت بعد نشر قوات الأمن، وتحدثوا عن وقوع عدة حالات قتل على غرار الإعدام. ومن بين أكثر الوقائع فظاعة ما حدث في مضافة آل رضوان.
وقال رضوان إن مسلحين اقتحموا المضافة في 15 يوليو عندما كان يجلس مع أصدقاء وأقارب من الدروز. ودخل المسلحون المكان وأخذوا مفاتيح سيارة كانت متوقفة في الخارج، ثم أداروا محركها وغادروا.
وذكر أنه سمع آنذاك أحد المسلحين يقول “خلينا نصفيهم (دعونا نقمْ بتصفيتهم) كي لا يتعرفوا علينا،” وذلك قبل أن يسقط هو منهارا على الأرض عندما بدأ إطلاق النار.
شهادات السكان تتحدث عن الألم أكثر من النجاة وتكشف عن شعور بغياب العدالة والإنصاف، رغم تعهد السلطات بفتح تحقيق في تلك الأحداث
وقال لرويترز “مش عارف، طلق ولا شو صابني، بس وقعت خلاص، قلت خلاص بدي موت، هذا اللي صار (لم أعرف إن كنت قد أُصبت بطلق ناري أم بشيء آخر، فقد سقطت منهارا، وقلت في نفسي: سأموت لا محالة. هذا ما وقع لي).”
وأظهر مقطع فيديو على الإنترنت، وتحققت رويترز من صحته في مضافة آل رضوان، أكثر من 12 جثة بعضها مصاب برصاص في الصدر، وهي مكومة فوق بعضها البعض. ولم يتسن لرويترز التحقق من تاريخ تصوير الفيديو.
وشاهد مراسلو رويترز في دار الضيافة يوم الجمعة ثقوب رصاص في الجدران وبقع دماء على وسائد مخططة باللونين الأحمر والأسود وأيضا على الأرضية الإسمنتية.
وعلى مقربة من ذلك لا تزال عائلة أخرى في حالة حزن على من فقدتهم. وتحدث أفراد عائلة سرايا بصوت خفيض في منزلهم الذي امتلأت جدرانه بثقوب الرصاص. وجلست عجائز يتشحن بالسواد، باستثناء الحجاب الأبيض، في صمت.
وقال أقارب وأصدقاء إن سبعة من عائلة سرايا وصديقا ثامنا قتلوا في عملية أشبه بالإعدام في ساحة تشرين بعد أن اقتادهم مسلحون من منازلهم الأسبوع الماضي.
وكان أحدهم، حسام سرايا (35 عاما)، مواطنا سوريا يحمل الجنسية الأميركية وكان يعيش في ولاية أوكلاهوما.
وأظهرت مقاطع فيديو تحققت رويترز من صحتها ثمانية رجال بملابس مدنية يسيرون في طابور واحد برفقة مسلحين. وتمكنت رويترز من تحديد الموقع، وهو مكان يقع إلى الغرب من ساحة تشرين، في قلب السويداء، لكن لم يتسن لها التحقق بصورة مستقلة من تاريخ تصوير الفيديو.
وأظهر مقطع فيديو آخر مسلحين يطلقون النار على الرجال العُزل أنفسهم وهم راكعون على الأرض الترابية لدوار ساحة تشرين. وتحققت رويترز من موقع الفيديو من خلال التمثال الموجود في الساحة.
وقال معتصم جباهي، صديق عائلة سرايا، إن مصير الرجال ظل مجهولا حتى تلقى مكالمة هاتفية من شخص رأى الجثث في الساحة.
وأضاف لرويترز “اتصلنا بكل اللي (الذين) نعرفهم ونزلنا لتحت (إلى ساحة تشرين) ولقيناهم، أجسامهم محطمة بالرصاص، مش قتل عادي، قتل إجرام (لم يكن قتلا عاديا، بل كان قتلا موغلا في الإجرام).”