كتب أحد الأصدقاء منذ فترة — للأسف، وأعتذر منه، لا أذكر من هو — عبارة بقيت عالقة في ذهني:
“كم كان العلويون المعارضون عظماء حين واجهوا النظام السابق العلوي أثناء حكمه.”
واليوم، أشعر بعمق ما شعر به هذا الصديق، ويشعر به كل حرّ حقيقي، إذ نعيش نحن محنتهم ذاتها — بل لعلها حتى الآن أخفّ بكثير “لغاية الآن”…
أتمنى أن أكون على قدر عظمتهم وشجاعتهم وصدقهم، وأن نرتقي، نحن أيضًا، إلى مستوى حريتهم ونبلهم، وأن نعي حجم تضحياتهم، لا سيما أن في أقبية المخابرات كان هناك مئات، بل آلاف الشهداء من المعارضين العلويين، الذين قدّموا أرواحهم في مواجهة نظام قمع الجميع بلا استثناء.
اليوم، كل كلمة نقولها “نحن المصنفون سنة”، إن لم تكن مغموسة بالتأييد المطلق، والمبايعة الخاشعة، والتصفيق الحار الممزوج بالامتنان والانكسار والتوسّل، تُواجَه بأشد الاتهامات: تخوين، وتجريح، وافتراء، واتهام بنكران الجميل، — وقد يصل الأمر إلى الإقصاء من أقرب الناس إليك… فقط لأنك قلت، أو لم تقل، أو لأنهم فسّروا ما قلته على غير ما قصدته، رغم صدقك ومحبتك لوطنك وأهلك.
“وايضا إن لم تكن مليئة بالحقد والتشفي والكره فسنواجه من “الآخر” بالتشكيك والتخوين والتنميط وهذا مبحث آخر ولكنهم واجهوه سابقا بكل صلابة”
والأمانة تقتضي أن أقول: السلطة الحالية، كمؤسسة، لم تبدأ بعد بشكل مباشر في تبنّي هذا “النباح”، لكنها على الأرجح ستفعل قريبًا “وخصوا أنها صامتة”. ليس بالضرورة عن سابق نية، بل لأن هذا هو مسار الأمور دائمًا: نباح المسعورين يغري أي سلطة، وسأُفاجأ إن لم تُستَثمَر هذه الأصوات يومًا.
أنا لم أُثر على النظام السابق لأنه علوي، ولا لأني سني، ولا لأنه بعثي، ولا لأنه ينتمي لأي توصيف طائفي أو سياسي.
ثُرت عليه لأنه نظام استبدادي، وسأثور على أي نظام آخر، مهما كان اسمه أو لونه أو طائفته، إن سار على نهج القمع والوصاية والإقصاء.
وسأعمل مع أي حكومة أو مجموعة تسعى — بصدق — لأن تبني دولة عادلة، لا تكرر أخطاء الاستبداد، ولا تورث القمع بجيل جديد وبشعارات جديدة.
لقد ثرت لأن النظام أهان السوريين جميعًا، لا لأنه ظلم طائفة دون أخرى. ثُرت لأنه استباح كرامتنا جميعًا، واعتبرنا بلا قيمة، وبلا حرمة لكينونتنا كمواطنين.
وسأبقى معارضًا لكل من يسير على هذا الدرب، مهما تغيّرت الشعارات أو تبدّلت الوجوه.
ما أشعر به اليوم — وربما يسميه البعض “شعرة غباء” — هو بصيص أمل… أمل في أن تتعظ هذه السلطة الوليدة، وأن تحاول، وتُواصل المحاولة لتصحيح مسارها، وأن تغيّر الصورة التي بدأت تُرسَم عنها.
من تسليم الأقارب مفاتيح الاقتصاد وكأنها غنيمة وكأنهم ورثاء بلد بماله وأهله،
إلى التهاون بدماء السوريين وكأنها غير مقدّسة،
إلى تغييب العدالة، وإخراجها من سلّم الأولويات،
إلى غياب الشفافية، والانغلاق على الناس…
كل هذا يجعلني لا أستطيع أن أكون مؤيدًا، بل معارضًا — معارضًا على أمل “أضغاث” أن أرى بداية شفاء لوطن لا يستحق منا إلا أن نحبّه ونحن أحرار.
( ضياء دغمش)